حالة العرب الإقتصادية

الكتاب الثاني: وقـائـع الـسـيـرة الـنـبـويـة
الباب الأول: أهـم الأحـداث التـاريخيـة مـن قبـل البعثـة حتـى نـزول الـوحـي
الفصل الأول: العالم قبل البعثة النبوية و أثناءها
المبحث الثاني: أحوال الأقوام العربية قبل البعثة النبوية
المطلب الحادي عشر: حالة العرب الإقتصادية

النشاط التجاري وحركة التصدير والإستيراد :

     يغلب على الجزيرة العربية الصحاري الواسعة الممتدة، وهذا ما جعلهـا تخلو من الزراعـة إلا فـي أطرافها وخاصة في اليمن والشام، وبعض الواحات المنتشرة في الجزيرة كان يغلب على البادية رعي الإبل والغنم، وكانت القبائل تنتقل بحثاً عن مواقع الكلأ، وكانوا لا يعرفون الإستقرار إلا في مضارب خيامهم.

     وأما الصناعة فكانوا أبعد الأمم عنها، وكانوا يأنفون منها، ويتركون العمل فيها للأعاجم والموالي، حتى عندما أرادوا بنيان الكعبة استعانوا برجل قبطي نجا من السفيـنة التي غرقت بجدة ثم أصبح مقيماً في مكة.

     وإذا كانت الجزيرة العربية قد حرمت من نعمتي الزراعة والصناعة، فإن موقعها الإستراتيجي بين إفريقيا وشرق آسيا جعلها مؤهلة لأن تحتل مركزاً متقدماً في التجارة الدولية آنذاك.

     وكان الذين يمارسون التجارة من سكان الجزيرة العربية هم أهل المدن، ولا سيما أهل مكة فقد كان لهم مركز ممتاز في التجارة، وكان لهم بحكم كونهم أهل الحرم منزلة في نفوس العرب فلا يتعرضون لهم، ولا لتجارتهم بسوء، وقد امتن الله عليهم بذلك في القرآن الكريم: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} (سورة العنكبوت، الآيـة: 67)

     وكانت لقريش رحلتان عظيمتان شهيرتان: إحداهما إلى اليمن وهي رحلة الشتاء، والأخرى إلى الشام وهي رحلة الصيف، يذهبون فيهما آمنين بينما الناس يُتخطفون من حولهم، هذا عدا الرحلات الأخرى التي يقومون بها طوال العام، قال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (سورة قريش، الآيـات: 1 – 4)

     وكانت القوافل تحمل الطيب والبخور، والصمغ، واللبان، والتوابل والتمور، والروائح العطرية، والأخشاب الزكية، والعاج، والأبنوس، والخرز، والجلود، والبرود اليمنية والأنسجة الحريرية، والأسلحة وغيرها مما يوجد في شبه الجزيرة، أو يكون مستورداً من خارجها، ثم تذهب به إلى الشام وغيرها ثم تعود محملة بالقمح، والحبوب، والزبيب، والزيتون، والمنسوجات الشامية وغيرها.

     وكانت أشهر الحجّ عندهم أشهراً حرماً، يعقدون فيها أسواقهم التجارية بجانب البيت وداخل حدود الحرم، والنّاس يهرعون إلى هذه الأسواق ويؤمّونها من جهات الجزيرة البعيدة، ليقضوا منها حاجتهم، ويتزوّدوا لأقوامهم، وقد ذكرت أسواق كانت في مكّة يستدلّ بها على ما وصلوا إليه من مدنيّة وتطوّر، منها سوق العطّارين، ومنها سوق الفاكهة، وسوق الرطب، وكان مكان للحجّامين والحلاقين، وكانت رحبة واسعة كانت تباع فيها الحنطة، والسمن، والعسل، والحبوب، يحملها العير من الخارج، وكانت اليمامة ريف مكَّة، وكان زقاق للحذّائين، وسوق للبزّازين. ويذكر بعض المؤلفين في أخبار مكة أن العرب كانوا يقيمون بعكاظ هلال ذي القعدة، ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضي عشرين يوماً من ذي القعدة، فإذا رأوا هلال ذي الحجة ذهبوا إلى ذي المجاز فلبثوا فيها ثمانيَ ليال، ثم يذهبون إلى عرفة، وكانوا لا يتبايعون في عرفة ولا أيام منى حتى جاء الإسلام فأباح لهم ذلك، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُـرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (سورة البقرة، الآيـة: 198).

     وقد استمرت هذه الأسواق في الإسلام إلى حين من الدهر ثم دَرَست، ولم تكن هذه الأسواق للتجارة فحسب، بل كانت أسواقاً للأدب والشعر والخطابة يجتمع فيها فحول الشعراء ومصاقع الخطباء، ويتبارون فيها في ذكر أنسابهم، ومفاخرهم، ومآثرهم، وبذلك كانت ثروة كبرى للغة، والأدب، إلى جانب كونها ثروة تجارية.

     وقد اشتهر اليمنيون بالتجارة، وكان نشاطهم في البر وفي البحار، فسافروا إلى سواحل إفريقيا وإلى الهند وإندونيسيا، وسومطرة وغيرها من بلاد آسيا، وجزر المحيط الهندي أو البحر العربي كما يسمى، وقد كان لهم فضل كبير بعد اعتناقهم الإسلام، في نشره في هذه الأقطار.

     وقد نشطت الحركة التجارية في مكّة، فكان تجّارها يتجوّلون في بلاد كثيرة من إفريقية وآسيا، ويحملون من كلّ بلد ما يستطرف ويستظرف فيها، وما تشتدّ إليه الحاجة في بلادهم.

     فكانوا ينقلون من إفريقية الصمغ، والعاج، والتبر، وخشب الآبنوس، ومن اليمن الجلود، والبخور، والثياب، ومن العراق التوابل، ومن حاصلات الهند الذهب، والقصدير، و الحجارة الكريمة، والعاج، وخشب الصندل، والتوابل، والزعفران، ومن مصر والشّام الزيوت والغلال والأسلحة والحرير والخمور.

     وكانوا يرسلون إلى بعض الملوك والأمراء ما يستطرف من بضائع مكّة، وكان من أعجب ما يختار منها الأدم، وهي الجلود، كما فعلت قريش حين بعثت إلى النّجاشيّ ملك الحبشة عبد الله بن ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل، ليستردّا من هاجر من المسلمين إلى الحبشة، فأرسلوا معهما من الهدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة وكان الأدم.

     وكانت من النساء تاجرات، لهنّ نشاط في إرسال القوافل التجارية إلى الشام وغيرها، اشتهرت منهن خديجة بنت خويلد، والحنظلية أمّ أبي جهل، يشير إلى ذلك قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} (سورة النساء، الآيـة: 32).

     وكانت لأهل مكّة متنزهات ينتجعها المكّيّون في الأصائل، من شهور القيظ، وكان المتنعّمون فيهم يشتون بمكة ويصطافون بالطائف، وكان كثير من فتيانهم اشتهروا بالأناقة في الحياة والتجمّل في اللباس، وكانت كسوة بعضهم تقوّم بمئات من الدراهم.

     وكان التعامل بالربا منتشراً في الجزيرة العربية، ولعل هذا الداء الوبيل سرى إلى العرب من اليهود.

     وكان يتعامل به الأشراف وغيرهم وكانت نسبة الربا تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مائة في المائة.

العملـة والمكـاييـل:

     وهكذا فاقت مكّة في التجارة، وأثرى كثير من أبنائها، وتضخّمت رؤوس أموالهم، يدلّ على ذلك أن عير قريش التجارية التي كانت عائدة من الشام عند غزوة بدر بلغت ألف بعير، وبلغ المنقول على أثقالهم خمسيـن ألف دينار.

     وكانوا يتعاملون بالعملة الرّومانية البيزنطية والعملة الإيرانية السّاسانية. ويبدو من الإستقراء الكثير، وتتبّع ما كتب في الموضوع، أنّ العملة في العصر الجاهلي، وفي صدر الإسلام كانت على نوعين دراهم ودنانير. أمّا الدراهم فكانت على نوعين كذلك، نوع عليه نقش فارس؛ وتسمى بغلية؛ وهي سود وافية، والآخر عليه نقش الروم، وتسمى غالباً طبرية وبيزنطية، وكانت كلها من الفضة؛ وكانت مختلفة الأوزان؛ ولهذا كان أهل مكة في الجاهلية يتعاملون بها وزناً لا عداً.

     ويتلخّص من أقوال العلماء، أن الدرهم وهو الذي اعتبره الشرع خمساً وخمسين حبة من الشعير الوسط في الوزن، وتزن العشرة من الدراهم سبعة مثاقيل من الذهب، ووزن المثقال من الذهب الخالص اثنتان وسبعون حبة، وعلى ذلك حكى ابن خلدون الإجماع. وكانت النقود الفضية هي الشائعة والكثيرة الإستعمال عند العرب في عصر النبوة، ولهذا قال عطاء في مصنـف ابن أبي شيبة: (إنما كان إذ ذاك الورق، ولم يكن الذهب). أمّا الدنانير فكانت من الذهب، وكانت في الجاهلية وأول الإسلام بالشام، وعند عرب الحجاز كلها رومية تضرب ببلاد الروم عليها صورة الملك، واسم الذي ضربت في أيامه مكتوبة بالرومية، كما قال ابن عبد البر في التمهيد: (وكلمة الدينار معربة من Denarius وكانت عملة رومية قديمة، ولا يزال لها رواج في بعض البلاد الأوربية وقد جاء ذكرها في الإنجيل مراراً، وكان الدينار يزن مثقالاً، ووزن المثقال من الذهب الخالص كما قدمنا اثنتان وسبعون حبة من الشعير الوسط، والمشهور أنه لم يتغير في جاهلية ولا إسلام. وقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية أن الدينار البيزنطي يزن 4.55 من الغرامات، وأثبت المستشرق زمباور في هذا الكتاب أن المثقال المكي كذلك يبلغ وزنه 4.25 من الجرامات. والنسبة بين الدرهم والدينار، هي نسبة 7 من 10 فالدرهم 10/7 من المثقال. وقد نزّله الخليفة عبد الملك ابن مروان في عهده بعد الإصلاحات التي نفذها إلى 4.25 من الغرامات. أمّا المعادلة في الثمن؛ فقد ثبت من كتب السنة، ومذاهب الفقهاء، وتقرر تاريخياً، أن الدينار يصرف في ذلك العصر بعشرة دراهم. وقد جاء في سنن أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ قال: (كانت قيمة الدية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم 800 دينار أو 8000 درهم، وبذلك عملت الأمة من الصحابة فمن بعدهم حتى استقر الإجماع على ذلك).

     ويدلّ على ذلك دلالة صريحة ما جاء في الأحاديث المشهورة من التصريح بنصاب الدراهم، أو بمقدار الواجب فيها، وما ذهب إليه الجمهور الأكبر من الفقهاء؛ أن نصاب الذهب عشرون ديناراً، فثبت من ذلك أن الدينار الواحد في العصر الجاهلي وفي صدر الإسلام كان يساوي في الثمن عشرة دراهم ويعادلها؛ وقد قال الإمام مالك في الموطأ: (السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، أنّ الزكاة تجب في عشرين ديناراً عيناً، كما تجب في مئتي درهم) (بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، لمحمود شكري الألوسي البغدادي).

     وكان العرب يستعملون الموازين في أسواقهم والمكاييل، منها الصّاع، والمدّ، والرّطل، والأوقيّة، والمثقال، ويعرفون من مفردات أثقالها أنواعاً كثيرة، وعندهم علم بالحساب اعتمد عليه القرآن في ذكر السّهام والفرائض.

أثـريـاء قـريـش ومتـرفـوهـا:

     وكانت بيوت وأسر اشتهرت بالثراء وسعة في المال، ورقّة في العيش، يمتاز فيها بنو أميّة وبنو مخزوم. وكان ممّن اشتهر في الثراء وجمع الأموال واقتنائها وتنميتها الوليد بن المغيرة وعبد العزّى (أبو لهب)، وأبو أحيحة ابن سعيد بن العاص بن أميّة، وهو الذي أسهم بثلاثين ألف دينار في القافلة التي كان يقودها أبو سفيان، وعبد بن أبي ربيعة المخزوميّ.

     واشتهر منهم عبد الله بن جدعان التيميّ الذي كان يشرب في كأس من الذهب، وكان يطعم عدداً كبيراً من المساكين والجيعان.

     وكان العبّاس بن عبد المطّلب من أثرياء قريش، ينفق أمواله في الناس، ويتعامل بالرّبا، حتّى جاء الإسلام، وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلغاء الأموال الربويّة، وبدأ ذلك بعمّه العباس بن عبد المطلب، وأعلن في حجّة الوداع: (وأول ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطلب).

     وكان منهم مترفون لهم مجالس سمر، ولهم أرائك منصوبة وموائد ممدودة، ونواد للشراب يلهون فيها ويسكرون. وكانت عامّة مجالس أشرافهم أمام البيت، ينشدون فيها الشعر، ويحضرها بعض كبار شعراء الجاهلية، مثل لبيد بن ربيعة صاحب المعلّقة المشهورة.

     وقد ذكر أن عبد المطّلب بن هاشم كان يوضع له فراش في ظلّ الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه، حتّى يخرج إليهم، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له.

الصنـاعـات والثقـافـة والآداب فـي مكّـة:

     ولم تكن للصناعات مكانة كبيرة عند أهل مكّة، بل كان عندهم نوع احتقار لها، وتعيّر منها، ولم يباشرها في عامّة الأحوال إلاّ الموالي وأبناء العجم، إلا أنّه قد وجدت بعض صناعات كانوا مضطرّين إليها، ومارسها بعض أبناء مكّة العرب، فقد روي أنّ خبّاب بن الأرتّ كان قيناً يعمل السّيوف. وكانوا يلجؤون في صناعة البناء، وكان لا بدّ منه، إلى عمّال من الرّوم أو الفرس.

     وكان منهم كتّاب يعرفون الكتابة والقراءة، وإن كانت الأميّة غالبة عليهم، ولذلك سمّاهم القرآن بالأمّيّين، فقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} (سورة الجمعة، الآيـة: 2).

     وكانت مكّة وأهلها مثلاً في الجزيرة العربيّة في سلامة الذّوق والظّرف والأناقة، شأن العواصم والمدن الرئيسية في كلّ قطر، عريقة في الآداب. أمّا لغتهم فكانت هي المـيزان، وهي المرجع، وعليها الإعتماد في سائر أطراف الجزيرة، وكانوا أبلغ العرب وأفصحهم وأصحّهم تعبيراً ونطقاً، وأبعدهم عن الهجنة أو الرطانة وتأثير الإختلاط بالعجم.

     وكان حظّهم من تناسب الأعضاء واعتدال الخلق، والخلق، والهندام وحسن الشارة، أكثر من أهل النواحي الآخرى، حتّى كانوا شامة بين الناس، يجمعون بين الصفات التي يسمّى مجموعها بالفتوة والمروءة، وتغنّى بهما شعراء العرب وخطباؤهم، لذلك كانوا أئمة الناس في الشرّ والخير.

     وكان أكثر عنايتهم بالأنساب وأخبارها، ثمّ بالشعر، ثم بالنجوم، والأنواء، والعيافة، وشيء يسير من الطّبّ يقوم على التجربة، والتناقل، وشيء كثير من حلية الخيل والمعرفة الدقيقة بأعضائها وصفاتها، والتفرّس بالرجال والخيل، وشاعت فيهم طرق للعلاج، كالكيّ، والبتر، والفصد، والحجامة، وتناول الأدوية.

القـوّة الحـربيـة:

     أمّا قوّة مكة الحربية، فكانت قريش تؤثر السِّلم والهدوء في عامّة الأحوال، إذا تركت وشأنها، شأن الشعوب والمجتمعات التي أكبر اعتمادها في الكسب والمعاش على التجارة، ومسير القوافل، وتنظيم الأسواق، وتوجّه الرواد من كلّ صوب إلى بلدها، والتقائهم التقاء يفيدها إجلالاً دينياً، وفائدة اقتصادية، ويدرّ عليها الأرزاق الكريمة، وإلى ذلك أشار الله تعالى بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (سورة قريش، الآيتـان: 3 – 4).

     لذلك كانت قريش ما لم تتحدّ عقيدتها ولم تثر غيرتها الدينية أو القبلية تؤمن بمبدأ التعايش السلميّ، ولكنّها رغم كلّ ذلك كانت قوة حربية يحسب لها الحساب، وكانت شجاعتها مضرب المثل، وكانت مشهورة بالفروسيّة العربيّة، والغضبة المضريّة معروفة في جزيرة العرب وآدابها وأمثالها.

     ولم تكتف قريش بقوّتها الذاتية في الحروب، ولكنّها كانت تستخدم قوة الأحابيش، وهم بطون من القبائل العربيّة الضاربة حول مكّة، من كنانة وخزيمة بن مدركة، وخزاعة تحالفوا مع قريش، وكان لقريش عدد كبير من العبيد والموالي، الذين كانوا يقاتلون في صفوفها، فكانت تستطيع أن توجّه إلى القتال بضعة آلاف مقاتل، وقد استطاعت أن تجمع عشرة آلاف مقاتل في غزوة الأحزاب. وهي أكبر قوّة حربية عرفها تاريخ الجزيرة العربية في العصر الجاهليّ.

كبـرى مـدن الجـزيـرة وعـاصمتهـا الـروحيـة والإجتمـاعيـة:

     وبهذا المركز الدينيّ، والمكانة الإقتصادية، وقيادة النشاط التجاريّ، والتقدّم في المدنيّة والآداب، أصبحت مكّة كبرى مدن الجزيرة العربية، وبدأت تنافس صنعاء اليمن في زعامة الجزيرة، بل إنّها تفوقت عليها، بعد ما حدث باليمن من استيلاء الحبشة عليها، وتملك الفرس لها، في منتصف القرن السادس المسيحيّ، وفقدت مملكة الحيرة ومملكة غسان الشيء الكثير من العظمة والأبّهة، فأصبحت مكّة بعد ذلك كلّه هي عاصمة جزيرة العرب الروحيّة والإجتماعيّة من غير منافس ولا مشارك.

 

                                                       

عن المدير