جزيرة العرب في تاريخ الأمم والديانات

وقـائـع الـسـيـرة الـنـبـويـة
أهـم الأحـداث التـاريخيـة مـن قبـل البعثـة
حتـى نـزول الـوحـي

الفصل الأول : العالم قبل البعثة
النبوية و أثناءها :

المبحث الثاني : أحوال الأقوام
العربية قبل البعثة النبوية :

المطلب السادس : جزيرة العرب في
تاريخ الأمم و الديانات :

1) الاكتشافات في شبه الجزيرة
العربية :

     كـان مـن أوائـل المستكـشـفيـن فـي شـبـه الجـزيـرة العـربيـة
، المـسـتـشـرق الـدانـمـركـي كـارسـتـن نـيـابـور (Carsten
Niebuhr) الـذي زار اليمـن فـي 1763 م . كمـا أعـاد ج. ل.
بـوركهـارد (j.l.Burckhardt) اكـتـشـاف الـبـتـراء فـي الشـمـال
فـي 1812 م . ثـم تـركـز الإهـتـمـام عـلـى الجـنـوب ، عنـدمـا
نشـر ج. ر. ولشتـد (J.R.Wellsted) فـي 1837 م أول نـقـوش عـربـيـة
، أثـارت اهـتـمـام عـلـمـاء أوروبـا ، حـتـى فـك رمـوزهـا و.
جسينيـوس (W.Gesenuis) و روديجـر (E.Rodiger) فـي 1841 م ، و
عـرفـت هـذه الـنـقـوش بالنقـوش الحميـريـة نسبـة إلـى المملكـة
التـي حـكـمـت الجـزء الجـنـوبـي مـن شـبـه الجـزيـرة فـي القـرون
الأخـيـرة قـبـل الميـلاد ، فاعتبـر المـؤرخـون المتـأخـرون أنهـا
مـصـدر هـذه الـنـقـوش ، بينمـا هـي تـرجـع فـي الحقيقـة إلـى
الـمـمـالـك الأقـدم عـهـدًا مـن الحميـريـن . و قـد اكتُشـف بعـد
ذلك الآلاف مـن هـذه النقـوش نتيجـة جهـود الكثيـر مـن العلمـاء .
و فـي 1937 / 1938 م اكتشـف ج. كـاتـون سـومبسـون (G.Caton
Thompson) معبـدًا لإلـه القمـر سـن (Syn) فـي الحـريـدة فـي
حضـرمـوت . و بعـد الحـرب العـالميـة الثـانيـة نقَّـب العلمـاء
الأمـريكيـون فـي تيمـاء و ما جـاورهـا (1950 / 1951 م) ، و فـي
مـأرب حيـث كشفـوا عـن معبـد إلـه القمـر عنـد السبـائييـن (1952
م) .

     و مـن أهـم الـنـقـوش الـتـي تـم الـعـثـور عليهـا ، حجـر
تيمـاء الـذي يحمـل نقـوشـاً أراميـة تـرجـع إلـى القـرن الخـامـس
قبـل الميـلاد ، و قـد عثـر عليـه هـوبـر (Huber) فـي 1883 م .

2) الإشارات إلى العرب في العهد
القديم :

     قـد تـبـيّـن مـن الآثـار الـعـتـيـقـة أنّ بـلاد الـعـرب
كـانـت مـأهـولـة بالـنّـاس ، مـنـذ العصـور البـاليـوليتية
Paleolithic (أي الـعـهـود الحـجـريـة المتقـدّمـة) ، و مـن أقـدم
الآثـار الّتـي عثـر عليهـا ، آثـار مـن أيـام العصـور المعـروفـة
ب Chellian (أي الأدوار الأولـى مـن أدوار حضـارة العصـر الحجـريّ)
.

     قـلـمـا يـذكـر الـعـرب بـهـذا الإسـم فـي العهـد القـديـم
الـذي استخـدم الأسمـاء القبليـة للعـديـد منهـم . ففـي قـائـمـة
الأمـم فـي الأصـحـاح الـعـاشـر مـن سفـر التكـويـن ، نجـد عـددًا
مـن أسمـاء القبـائـل العـربيـة فـي الجنـوب مـن نسـل كـوش و
يقطـان (و هـو قحطـان جـد العـرب الـقـحـطـانيـة) . كمـا يـذكـر
سفـر التكـويـن عـددًا مـن أسمـاء القبـائـل العـربيـة فـي الشمـال
مـن نسـل إبـراهيـم مـن هـاجـر و قطـورة ، كمـا يـذكـر بعـضـهـم
مـن نسـل عيسـو كمـا يـذكـر القـوافـل التجـاريـة للإسمـاعيلييـن و
المديـانييـن فـي قصـة يـوسـف ، فقـد بـاعـه أخـوتـه لأولئـك
التجـار .

     و قـد جـاء ذكـر الـعـرب فـي مـواضـع مـن أسـفـار الـتّـوراة
، تـشـرح عـلاقـات الـعـبـرانـيّـيـن بالـعـرب ، و مـا ذكـر فـي
التـوراة عـن العـرب يـرجـع تـاريـخـه إلـى مـا بـيـن 750 ، و
القـرن الثـانـي قـبـل المسيـح ، و قـد وردت فـي التّلمــود
إشـارات إلـى الـعـرب كـذلـك .

     و فـي كـتـب يـوسـفـيـوس فـلافـيـوس الـذي عـاش بيـن سنـة 37
و 100 للمسيـح تقـريبـاً معلـومـات ثمينـة عـن العـرب ، و أخـبـار
مـفـصّـلـة عـن العـرب و الأنبـاط ، و وردت فـي الكتـب
اليـونـانيـة و الـلاتيـنيـة المـؤلفـة قبـل الإسـلام ، علـى مـا
فيهـا مـن خـطـأ ، أخبـار تـاريخيـة و جـغـرافيـة كثيـرة الخـطـورة
، و وردت فيهـا أسمـاء قـبـائـل عـربيـة كـثيـرة ، لـولاهـا لـم
نـعـرف عنـهـا شيئـاً ، و تعـدّ الإسـكـنـدريـة مـن أهـمّ
الـمـراكـز الـتـي كـانـت تـعـنـى عـنـايـة خـاصـة بجـمـع
الأخـبـار عـن بـلاد الـعـرب ، و عـادات سكّـانهـا ، و مـا ينتـج
فيهـا لتقـديمهـا إلـى مـن يـرغـب فيهـا مـن تجـّار البحـر
المتـوسـط .

     و مـن أقـدم مـن ذكـر الـعـرب مـن اليـونـانيّيـن خـيـلـوس
(525- 456 ق.م) و هـيـرودوتـس (425 – 480 ق.م) .

     و هنـاك طـائفـة مـن الكتّـاب الـذيـن تـركـوا لنـا آثـارا
وردت فيهـا إشـارات إلـى العـرب ، و البـلاد العـربيّـة ، منهـم
بطليمـوس الـذي عـاش فـي الإسكنـدريّـة فـي القـرن الثـانـي
للمسيـح ، و هـو صـاحـب مـؤلّفـات فـي الـرّيـاضيـات منهـا (كـتـاب
الـمـجـسـطـي) المعـروف فـي اللغـة العـربيّـة .

     و فـي المـوارد النـصـرانيـة مـادة غـزيـرة عـن تـاريـخ
الـعـرب فـي الـجـاهـلـيّـة و الإسـلام ، و إن كـانـت خـاصـة بمـا
لـه صلـة بالنصـرانيّـة و انتشـارهـا ، و مـراكـز نشـاطهـا .

     و الـعـرب فـي الـتـوراة ، هـم الأعـراب ، أي سـكـان
الـبـوادي ، لـذلـك فـإنّ النّعـوت الـواردة فيهـا عنهـم ، هـي
نعـوت لعـرب البـاديـة .

     و كـذلـك فـي كـتـب الـيـونـان ، و الـرّومـان ، و الأنـاجيـل
، نعـوت قصـدت بهـا الأعـراب ، و قـد كـانـوا يغيـرون علـى حـدود
إمبـراطـوريتـي الـرومـان و اليـونـان ، و يسلبـون القـوافـل ، و
يـأخـذون الإتـاوات مـن التّجـار و المسـافـريـن .

     و قـد وصـف ديـدوروس الـصّـقـلـيّ الـعـرب بـأنّـهـم يعشقـون
الـحـريّـة ، فيلتحفـون السمـاء ، و يعـتـقـدون بالإرادة الحـرّة ،
و الحـريّـة المطلقـة .

     و بذلـك يصفهـم هـيـرودوتـس ، فـيـقـول : (إنّـهـم يـقـاومـون
أيّ قـوة تـحـاول اسـتـرقـاقـهـم ، و استـذلالـهـم) ، فـالـحـريـة
عنـد العـرب هـي أكبـر شعـار ، و ميـزة يمتـاز بهـا العـرب فـي
نظـر الكتبـة اليـونـان ، و اللاتيـنييـن .

     و كـذلـك الـصّـلات بـيـن الـعـرب و الهنـد ، و معـرفـة
إحـداهمـا بالآخـرى ، و التبـادل التجـاريّ و الثقـافـيّ بيـن
الـبـلـديـن قـديـم و وثيـق ، و سـابـق علـى الإسـلام و الفتـح
الإسـلامـيّ بكثيـر ، و كـانـت الهنـد مـن أعـرف الأقطـار
الآسيـويـة بالعـرب ، و أقـرب إليهـا ، لعـوامـل جغـرافيـة ، و
اقتصـاديـة ، كمـا تـدلّ علـى ذلك المصـادر الهنـدية و العـربية ،
و الاكتشـافـات الحـديثـة .

3) صلة الجزيرة بالنبوّات ، و
الأديان السماوية :

     و الـجـزيـرة الـعـربـيـة مـهـد نـبـوّات كـثـيـرة ، و
مـبـعـث عـدد مـن الأنـبـيـاء ، و قـد جـاء فـي الـقـرآن : {
وَ اذْكُـرْ أَخـا عـادٍ إِذْ أَنْـذَرَ
قَـوْمَـهُ بِالْأَحْـقـافِ وَ قَـدْ خَـلَـتِ الـنُّـذُرُ مِـنْ
بَـيْـنِ يَـدَيْـهِ وَ مِـنْ خَـلْـفِـهِ أَلاَّ تَـعْـبُـدُوا
إِلاَّ اللَّهَ إِنِّـي أَخـافُ عَـلَـيْـكُـمْ عَـذابَ يَـوْمٍ
عَظِيـمٍ
} (سـورة الأحقـاف ، الآيـة :
21)
.

     و المـراد بـه نـبـيّ الله هـود الـذي أرسـل إلـى عـاد ، و
عـاد مـن الـعـرب الـبـائـدة عـلـى قـول المـؤرّخـيــن ، و كـان
مـوطـنـهـا الأحـقـاف ، و الحـقـف كثيـب مـرتفـع مـن الـرّمـال . و
كـانـت منـازل عـاد علـى المـرتفعـات المتفـرّقـة فـي جنـوب
الجـزيـرة ، و هـي الآن تـقـع فـي الـجـنــوب الـغــربـيّ مـن
الـربـع الـخـالـي ، قـريـبـاً مـن حـضـرمــوت ، لا عـمــران
فـيـهـا و لا حـيـاة ، و كـانـت جـنّـات و مـتـنـزّهـات مـعـمـورة
بأقـوام جـبـابـرة يـسـمّـون قـوم عـاد ، فأهـلـكـهـم الله بـريـح
صـرصـر عـاتـيـة جـلـبـت عـلـيـهـم طـوفـانـاً مـن الـرمـال كمـا
قـال الله تعـالـى : { وَ أَمَّـا عـادٌ
فَأُهْلِـكُـوا بِرِيـحٍ صَـرْصَـرٍ عاتِـيَـةٍ * سَـخَّـرَهـا
عَـلَـيْـهِـمْ سَـبْـعَ لَـيـالٍ وَ ثَـمـانِـيَـةَ أَيَّـامٍ
حُـسُـومـاً فَـتَـرَى الْـقَـوْمَ فِـيـهـا صَـرْعـى
كَـأَنَّـهُـمْ أَعْـجــازُ نَـخْـلٍ خـاوِيَــةٍ
}
(سـورة الحـاقـة ، الآيـتـان : 6-7)

.

     و قـد دلّـت الآيـة علـى أنّ هـوداً لـم يـكـن هـو الأول أو
الآخـر مـن الأنـبـيـاء الـذيـن بـعـثـوا فـي هـذه الـبـلاد ، بـل
سـبـقـه أنـبـيـاء و لـحـق بـه آخـريـن ، فـقـد قـال تـعـالـى : {
وَ قَـدْ خَـلَـتِ الـنُّـذُرُ مِـنْ بَـيْـنِ يَـدَيْـهِ وَ مِـنْ
خَـلْـفِـهِ
} (سورة الأحقاف ، الآيـة : 21)
.

     و كـذلـك صـالـح نـبـيّ ثـمـود ، كـان مبعثـه فـي جـزيـرة
الـعـرب ، فـإنّ ثمـوداً كـانـت تسكـن الحجـر ، الـذي بيـن الحجـاز
و تبـوك .

     و قـد نشـأ إسمـاعيـل فـي مكّـة ، و عـاش فيهـا و مـات .

     و إذا صـحّ أنّ مـديـن تـدخـل فـي جـزيـرة الـعـرب فـي
إطـارهـا الـواسـع ، فـقـد كـان شـعـيـب الـذي أرسـل إليهـا مـن
الـعـرب . فـقـد كـانـت مـديـن فـي أطـراف أرض العـرب مـن نـاحيـة
الشّـام ، قـال أبـو الفـداء : (كـان أهـل مـديـن قـومـاً عـربـاً
، يسكنـون مـدينتهـم مـديـن ، الّـتـي هـي قـريبـة مـن أرض معـان ،
مـن أطـراف الشـام ، ممـا يلـي مـن نـاحيـة الحجـاز ، قـريبـاً مـن
بحيـرة قـوم لـوط ، و كـانـوا بعـدهـم بمـدة قـريبـة .

     و كـانت أرض العـرب مـأوى لكثيـر مـن أصحـاب الـرّسـالات و
الـدّعـوات ، الـذيـن ضـاقـت عـلـيـهـم الأرض بمـا رحـبـت ، و
تـنـكّـرت لـهـم أوطـانـهـم ، فلـم يجـدوا مـأوى إلّا فـي هـذه
الأرض البعيـدة عـن نفـوذ الملـوك الجـبّـاريـن ، و الـرؤسـاء
الـظـالميـن ، كمـا كـان الشـأن مـع إبـراهيـم فـي مكّـة ، و
مـوسـى فـي مـديـن ، هـذا عـدا الـديـانـات التـي لقيـت اضطهـاداً
فـي مهـدهـا ، فـأوت إلـى مـواطـن فـي الجـزيـرة ، فـهـاجـر عـدد
كبيـر مـن اليهـود ، حيـن لقـوا اضطهـاداً مـن الـرومـان إلـى أرض
اليمـن ، و مـدينـة يثـرب .

     و لجـأت النصـرانيّـة إلـى أرض نجـران فـراراً مـن حكـم
القيـاصـرة الـذيـن اضطهـدوهـا .

4) وحدة اللغة :
     كـان خليقـاً بهـذا الـقـطـر الـواسـع ، الّـذي يكـاد يكـون
شبـه قـارّة ، أن تتعـدّد فيـه اللغـات و تتنـوّع ، لبعـد
الـمـسـافـة بـيـن مـواطـن القبـائـل ، و بيـن جنـوبـيّ الجـزيـرة
و شمـاليّهـا ، و قلّـة اتصـال أهـل الجنـوب بأهـل الشّمـال ، و
أهـل الشّـرق بأهـل الغـرب ، و بحكـم العصبيّـة القبليّـة و
السّـلاليّـة السـائـدة عليهـم ، و تـأثّـر القبـائـل المتـاخمـة
للـرّوم و الفـرس بلغـاتهـم .

     و قـد كـثـر عـدد اللّـغـات فـي أوربـة الـوسـطـى ، و فـي
شـبـه الـقـارة الهنـديّـة ، كـثـرة هـائلـة ، و لا يـزال عـدد
اللّـغـات المـعـتـرف بـهـا فـي دسـتـور الـهنـد يبلـغ 15 لغـة
إقليميـة ، تختلـف فيـمـا بينهـا اختـلاف لغـات مستقلـة ، قـائمـة
بـذاتهـا ، حتّـى يحتـاج أبنـاؤهـا للتفـاهـم إلـى تـرجمـان ، أو
لغـة أجنبيـة كالإنجليـزيـة .

     و لـكـن امـتـازت الجـزيـرة العـربيـة علـى سعتهـا ، و ترامـي
أطـرافهـا ، و تشتّـت قبـائلهـا ، بـوحـدة اللغـة ، كانـت و لا
تـزال أداة تفـاهـم و التـقـاء لجميـع أبنـاء هـذه الجـزيـرة ،
حضـرهـم و بـدوهـم ، و القحطـانـيّ منهـم و العـدنـانـيّ ، و هـي
اللغـة العـربيّـة علـى اختـلاف لهجـاتـهـا ، و فـروقـهـا
الإقليميّـة الّتـي تقتضيهـا طبيعـة اللغـات و فلسفتهـا ، و طبيعـة
الأقـاليـم و الأجـواء ، و طبيعـة الإنعـزال و الإنـطـواء .

     فاللغـات تختلـف فـي لهجـاتهـا بمسـافـات ، قـد تـطـول و قـد
تـقـصـر ، و كـانـت هـذه الـوحـدة اللـغـويّـة التـي امتـازت بهـا
هـذه الجـزيـرة مـن أهـمّ أسبـاب تيسيـر مهمّـة الـدعـوة
الإسـلاميّـة ، و سـرعـة انتشـار الإسـلام فيهـا ، و مخـاطبـة
الوحـدات العـربيّـة المنتشـرة ، فـي لغـة واحـدة ، هـي اللغـة
العـربيّـة الفصحـى ، و بكتـاب واحـد هـو القـرآن العـربـيّ
المبيـن .

5) حضارات الجزيرة العربية :
     نشـأت مـن قـديـم الـزمـان ببـلاد العـرب حضـارات أصيلـة ، و
مـدنيـات عـريقـة مـن أشهـرهـا :

5 – 1 – حضارة سبأ باليمن :
و قـد أشـار القـرآن الكـريـم إليـهـا ، فـفـي الـيـمـن استفـادوا
مـن ميـاه الأمـطـار و الـسـيـول التـي كـانـت تـضـيـع فـي
الـرمـال ، و تنحـدر إلـى البحـار ، فـأقـامـوا الخـزانـات و
السـدود بطـرق هنـدسيـة متطـورة ، و أشهـر هـذه السـدود (سـد
مـأرب) و اسـتـفـادوا بمـيـاهـهـا فـي الـزروع المـتـنـوعـة ، و
الـحـدائـق ذات الأشـجـار الـزكـيـة ، و الثمـار الشهيـة ، قـال
عـز شـأنـه : { لَـقـدْ كَـانَ لِـسَـبَــأٍ
فِـي مَـسْـكَـنِـهِــمْ آيَـةٌ جَـنَّـتَـانِ عَـن يَـمِـيــنٍ وَ
شِـمَـالٍ كُـلُـوا مِـن رِّزْقِ رَبِّـكُـمْ وَ اشْـكُــرُوا
لَـهُ بَـلْـدَةٌ طَـيِّـبَـةٌ وَ رَبٌّ غَــفُــورٌ
فَـأَعْـرَضُـوا * فَـأَرْسَـلْـنَـا عَـلَـيْـهِـمْ سَـيْـلَ
الْـعَــرِمِ وَ بَـدَّلْـنَـاهُــمْ بِـجَـنَّـتَـيْـهِـمْ
جَـنَّـتَـيْــنِ ذَوَاتَـيْ أُكُـلٍ خَـمْـطٍ وَ أَثْـلٍ وَ
شَـيْءٍ مِّـن سِـدْرٍ قَـلِـيـلٍ * ذَلِكَ جَـزَيْنَـاهُـمْ
بِـمَـا كَـفَـرُوا وَ هَـلْ نُـجَـازِي إِلاَّ الْـكَـفُـورَ

} (سـورة سبـأ ، الآيـات : 15-17) .

     و دل القـرآن الـكـريم علـى وجـود قـرى متصلـة فـي الـزمـن
المـاضـي مـا بيـن اليمـن ، إلـى بـلاد الحجـاز ، إلـى بـلاد
الشـام ، و أن قـوافـل الـتـجـارة و الـمـسـافـريـن كـانـوا
يـخـرجـون مـن الـيـمـن إلـى بـلاد الشـام ، فـلا يعـدمـون ظـلاً ،
و لا مـاءً ، و لا طـعـامـاً ، قـال تـعـالـى : {
وَ جَـعَـلْـنَـا بَـيْـنَـهُــمْ وَ بَـيْـنَ الْـقُـرَى
الَّـتِـي بَـارَكْـنَــا فِـيـهَـا قُــرًى ظَـاهِــرَةً وَ
قَـدَّرْنَـا فِـيـهَـا الـسَّـيْـرَ سِـيـرُوا فِيـهَـا
لَيَـالِـيَ وَ أَيَّـامًـا آمِـنِـيـنَ * فَـقَـالُـوا رَبَّـنَـا
بَـاعِـدْ بَـيْـنَ أَسْـفَـارِنَـا وَ ظَـلَـمُـوا
أَنْـفُـسَـهُـمْ فَـجَـعَـلْـنَـاهُـمْ أَحَـادِيـثَ وَ
مَـزَّقْـنَـاهُـمْ كُــلَّ مُـمَـزَّقٍ إِنَّ فِـي ذَلِـكَ
لآَيَـاتٍ لِّـكُـلِّ صَـبَّـارٍ شَـكُـورٍ
}
(سـورة سـبـأ ، الآيتـان : 18-19)

.

5 – 2 – حضـارة عـاد بالأحقـاف :
و كـانـوا فـي شـمـال حـضـرمـوت و هـم الـذيـن أرسـل الله إلـيـهـم
نـبـي الله هـوداً عليـه السـلام ، و كـانـوا أصحـاب بيـوت مشيـدة
، و مصـانـع متعـددة ، و جنـات ، و زروع و عيـون ، قـال تـعـالـى :
{
كَـذَّبَـتْ عَـادٌ الْـمُـرْسَـلِـيـنَ * إِذْ قَـالَ لَـهُـمْ
أَخُـوهُــمْ هُـودٌ أَلاَ تَـتَّـقُـونَ * إِنِّـي لَكُـمْ
رَسُـولٌ أَمِـيـنٌ * فَـاتَّـقُـوا اللهَ وَ أَطِـيـعُــونِ * وَ
مَـا أَسْـأَلُـكُــمْ عَـلَـيْـهِ مِـنْ أَجْـرٍ إِنْ أَجْـرِيَ
إِلاَّ عَـلَى رَبِّ الْعَـالَـمِـيـنَ * أَتَـبْـنُـونَ بِكُـلِّ
رِيـعٍ آيَـةً تَـعْـبَـثُـونَ * وَ تَـتَّـخِـذُونَ مَـصَـانِـعَ
لَـعَـلَّـكُـمْ تَـخْـلُـدُونَ * وَ إِذَا بَـطَـشْـتُــمْ
بَـطَـشْـتُــمْ جَـبَّـارِيـنَ * فَـاتَّـقُـوا اللهَ وَ
أَطِـيـعُــونِ * وَ اتَّـقُــوا الَّـذِي أَمَـدَّكُـمْ بِـمَـا
تَـعْـلَـمُــونَ * أَمَـدَّكُــمْ بِـأَنْـعَـامٍ وَ بَـنِـيـنَ *
وَ جَـنَّـاتٍ وَ عُـيُـونٍ
} (سـورة
الشعـراء ، الآيـات : 123-134)
.

5 – 3 – حضـارة ثمـود بالحجـاز :
دل القـرآن الكـريم علـى وجـود حـضـارة فـي بـلاد الحِجْـر ، و
أشـار إلـى مـا كـانـوا يـتـمـتـعـون بـه مـن القـدرة عـلـى نحـت
البيـوت فـي الجبـال ، و علـى مـا كـان يـوجـد فـي بـلادهـم مـن
عيـون و بسـاتيـن و زروع ، قـال تـعـالـى : {
كَـذَّبَـتْ ثَـمُـودُ الْـمُـرْسَـلِـيــنَ * إِذْ قَـالَ
لَـهُـمْ أَخُـوهُـمْ صَـالِـحٌ أَلاَ تَـتَّـقُـونَ * إِنِّـي
لَـكُـمْ رَسُـولٌ أَمِـيــنٌ * فَـاتَّـقُـوا اللهَ وَ
أَطِـيـعُـونِ * وَ مَـا أَسْـأَلُـكُـمْ عَـلَـيْـهِ مِـنْ
أَجْـرٍ إِنْ أَجْـرِيَ إِلاَّ عَـلَـى رَبِّ الْـعَـالَـمِـيـنَ *
أَتُـتْـرَكُـونَ فِـي مَـا هَـاهُـنَـا آمِـنِـيـنَ * فِـي
جَـنَّـاتٍ وَ عُـيُــونٍ * وَ زُرُوعٍ وَ نَـخْــلٍ طَـلْـعُـهَـا
هَـضِـيــمٌ * وَ تَـنْـحِـتُــونَ مِـنَ الْـجِـبَــالِ
بُـيُــوتًـا فَـارِهِـيـنَ * فَـاتَّـقُـوا اللهَ وَ
أَطِـيـعُـونِ
}
(سـورة الشعـراء ، الآيـات : 141-150) .

     و قـال سبحـانـه و تعـالـى فيهـم أيضـاً : {
وَ اذْكُـرُوا إِذْ جَـعَـلَـكُـمْ خُـلَـفَـاءَ مِـن بَـعْـدِ
عَـادٍ وَ بَـوَّأَكُـمْ فِـي الأَرْضِ تَتَّـخِـذُونَ مِـن
سُـهُـولِـهَـا قُـصُـوراً وَ تَنْـحِـتُـونَ الْـجِـبَـالَ
بُـيُـوتـاً فَـاذْكُـرُوا آلاَءَ اللهِ وَ لاَ تَـعْـثَــوْا فِـي
الأَرْضِ مُـفْـسِـدِيـنَ

} (سـورة الأعـراف ، الآيـة : 74) .

     لـقـد زال كـل ذلك مـن زمـن طـويـل ، و لـم يـبـق إلا آثـار و
رسـوم و أطـلال ، فـقـد اضمحلـت القـرى و المـدن ، و تخـربـت
الـدور و القصـور ، و نضبـت العيـون ، و جفـت الأشجـار و أصبحـت
البسـاتيـن و الـزروع أرضـاً جُـرُزاً .

عن المدير