جغرافية الحجاز

وقـائـع الـسـيـرة الـنـبـويـة
أهـم الأحـداث التـاريخيـة مـن قبـل البعثـة
حتـى نـزول الـوحـي

العالم قبل البعثة النبوية و أثناءها
أحوال الأقوام العربية قبل البعثة النبوية
جغرافية الحجاز

الفصل الأول : العـالـم قبـل
البعثـة النبـويـة و أثنـاءهـا :

المبحث الثاني : أحـوال الأقـوام
العـربيـة قبـل البعثـة النبـويـة :

المطلب الرابع : جغـرافيـة الحجـاز
:

     الحـجـاز هـو عـبـارة عـن سلسلـة الجـبـال الكـثيـرة ، و
الـمـمـتـدة مـن بـلاد الـيـمـن إلـى بـلاد الـشـام ، كمـا قـال
مـعـظـم الجـغـرافـيـيـن ، و مـا حـول هـذه الجـبـال ، و مـا
يـتـخـللـهـا مـن وديـان يـدخـل في الحـجـاز أيضـاً ، و سمـي
حجـازاً لأنـه حجـز بيـن إقليـم نجـد شـرقـاً ، و بـلاد تهـامـة
غـربـاً كمـا ذكـرنـا ، و لكـن اسـم الحجـاز فـي العـرف يشمـل
تـهـامـة أيـضـاً بـل عـدّ بـعـض العلمـاء تبـوك ، و فلسطيـن مـن
أرض الحجـاز .

     و طـول الحجـاز مـن الجنـوب إلـى الشمـال سبعمـائـة ميـل ، و
عـرضـه مـن الشـرق إلـى الغـرب خمسـون و ثـلاثمـائـة مـيـل . و
تـعـتـبـر جـبـال الـسـراة هـي الـعمـود الفقـري لشبـه الجـزيـرة
العـربيـة ، و تختلـف جبـال الحجـاز ارتفـاعـاً و انخفـاضـاً ،
فمنهـا مـا يبلـغ بضعـة آلاف مـن الأمتـار ، و منهـا مـن لا يـزيـد
عـن مـائتـي متـر .

أوديـة الحجـاز : و تتخـلل
هـذه الـجـبـال و ديـان كثيـرة ، و عيـون و آبـار ، و حـول
العـيـون و الآبـار تـوجـد الـواحـات ، و مـن أشهـر هـذه الـوديـان
:

1 – وادي إضـم : و يقـع
جنـوب خيبـر حـتـى يـقـارب الـمـديـنـة حـيـث تتصـل بـه أوديـة
فـرعيـة ، كـوادي العقيـق .

2 – وادي القـرى : و هـو
يستمـد ميـاهـه مـن السيـول التـي تنحـدر إليـه مـن العيـون التـي
عنـد خيبـر ، ثـم يتجـه غـربـاً حتـى يصـب فـي الـبـحـر الأحمـر
جنـوب قـريـة الـوجـه . و وادي القـرى واد مهـم ، لأنـه كـان ممـر
القـوافـل ، التـي كـانـت مـن أهـم وسـائـل نقـل التجـارة فـي
العـالـم القـديـم .

3 – وادي الـرمـة : عنـد
حـرة (فـدك) يتكـون مـن التقـاء بضعـة أوديـة ، ثـم يـتـجـه نـحـو
الشـرق حـتـى جـبـل القصيـم ، و يبلـغ طـولـه أكثـر مـن خمسيـن و
تسعمـائـة كيلـومتـراً .

4 – وادي الصفـراء : و هـو
واد كثيـر الـنـخـل و الـزروع فـي طـريـق الـحـجـاج ، سـلـكـه
رسـول الله صلّـى الله عليـه و سلّـم فـي بعـض غـزواتـه ، و
بـيـنـه و بـيـن بـدر مـرحلـة ، و سمـي بـاسـم قـريـة الصفـراء ، و
هـي قـريـة كثيـرة النخـل و الـزروع ، و مـاؤها عيـون تجـري إلـى
ينبـع . و كـان يمـر بالـحـجـاز أحـد طـريقـي التجـارة البـرّيّيـن
بيـن الشـرق و الغـرب مبتـدئـاً مـن اليمـن ، مختـرقـاً تهـامـة و
الحجـاز ، مـاراً بمكـة ، و يثـرب (المـدينـة) حـتـى يـصـل إلـى
(أيلـة) عـلـى خـلـيـج الـعـقـبـة ثـم مـنـهـا إلـى مـوانـىء
الـبـحـر الأبـيـض الـمـتـوسـط .

أشـهـر مـدن الـحـجـاز :
يشتمـل الحجـاز علـى قـرى و مـدن كثيـرة أهمهـا :
مـكـة : و هـي بلـد الله
الحـرام ، و فيهـا الكعبـة المشـرفـة التـي يحيـط بهـا الـمـسـجـد
الحـرام ، و هـي تـقـع فـي واد سـهـل منبسـط غـيـر ذي زرع ،
تـحـيـط بـه الجـبـال مـن كـل جـانـب مـع تـخـلل شعـاب بيـن هـذه
الجبـال ، و فـي شمـال مكـة يـوجـد جبـل حـراء الـذي بـه غـار
حـراء ، و فـي جنـوبهـا يقـع جبـل ثـور الـذي يـوجـد بـه غـار ثـور
.

     و مكـة مـدينـة فـي نشـأتهـا لعيـن زمـزم و للكعبـة البيـت
الحـرام ، و هـي و مـا حـولهـا حـرم معلـوم الحـدود . وضـعـت علـى
حـدوده نصـب ، و عـلامـات يعـرف بهـا ، يـأمـن فيـه الإنسـان ، و
الحيـوان ، و الطيـر ، فـلا يسفـك فيـه دم ، و لا يهـاج فيـه
حيـوان ، و لا يـصـاد فيـه طيـر ، بـل و لا يقطـع شجـرهـا ، و قـد
حـرمـهـا الله و مـا حـولهـا مـن يـوم أن خلـق السمـوات و الأرض ،
فهـي حـرام بحـرمـة الله إلـى يـوم القيـامـة كمـا روي فـي
الصحيحيـن ، و قـد أظـهـر الله هـذا التحـريـم علـى لـسـان الخليـل
إبـراهيـم عليـه الصـلاة و السـلام ، و تسمـى بكّـة ، لقـولـه
تعـالـى : { إِنَّ أَوَّلَ بَـيْـتٍ وُضِـعَ
لِلـنَّـاسِ لَلَّـذِي بِـبَـكَّـةَ مُـبـارَكـاً وَ هُـدىً
لِلْـعـالَـمِـيـنَ
}
(سـورة آل عمـران ، الآيـة : 96)
.

     و تسمــى أم الـقـرى ، لـقــولــه تـعـالـى : {
وَ كَـذلِـكَ أَوْحَـيْـنـا إِلَـيْـكَ قُـرْآنـاً عَـرَبِـيًّـا
لِـتُـنْـذِرَ أُمَّ الْقُـرى وَ مَـنْ حَـوْلَـهـا
}
(سـورة الشـورى ، الآيـة : 7)
. و العـرب يطلقـون القـريـة
علـى الـبـيـوت المجتمعـة صغـرت أم كبـرت ، و فـي الحـديـث الصحيـح
( أمـرت بقـريـة تـأكـل القـرى ) (أي
المـدينـة) .

     و لمكـة مكـانـة ممتـازة فـي نفـوس المـسـلـمـيـن ، ففيهـا
الكعبـة ، و المسجـد الحـرام ، و الصفـا و المـروة، و بجـوارها
عـرفات ، و المـزدلفـة ، و منـى ، و هـي مـن شعـائـر الحـج ،
فـلـذلك تـهـفـو إليـهـا قلـوب الألـوف لقضـاء الحـج و العمـرة ،
مـن لـدن الخليـل إبـراهـيـم عليـه السـلام إلـى وقتنـا هـذا . و
يـرجـح بعـض البـاحثيـن فـي السيـرة نشـأتهـا إلـى سنـة خمسيـن و
ألفيـن قبـل الميـلاد ، و قـد اختلـف فـي أول مـن أنشـأهـا ،
فجمهـور الـمـؤرخـيـن عـلـى أن أول مـن بنـاهـا و سكنهـا
العمـاليـق و هـم مـن العـرب البـائـدة ، و هـم مـن نـسـل لاوز بـن
سـام بـن نـوح ، و الـعـمـالـيـق مـلـكـوا مـصـر مـدة ، و كـونـوا
بـهـا أسـرة مـالكـة حـوالـي القـرن الثـالـث و العشـريـن قبـل
الميـلاد ، و مـلـكـوا الـعـراق و أسـسـوا بهـا دولـة حمـو رابـي
اسـم أكبـر ملـوكهـا ، و مـؤسـس أقـدم شـريعـة فـي العـالـم فـي
القـرن السـالـف الـذكـر ، و قـد أغـار عـلـى الـدولـة
الـبـابـلـيـة الأولـى ، و قـد فـنـي الـمـقـهـورون فـي
القـاهـريـن و صـارت الـدولـة البـابـلـيـة عـربيـة بحتـة .

     ثـم خلفهـم علـى مكـة جـرهـم حـتـى أسـكـن الخـلـيـل
إبـراهـيـم إسـمـاعيـل و أمـه هـاجـر بهـذا الـوادي ، فنشـأ
إسمـاعيـل بـه حتـى صـار رجـلاً ، و اختلـط بهـم و صـاهـرهـم ، ثـم
غلبـت خـزاعـة جـرهمـاً عليهـا ، و استمـروا حكـامهـا حتـى جـاء
قصـي بـن كـلاب ، فجمـع قـريـشـاً فيهـا ، بـعـد أن تـمـكـن مـن
إجـلاء خـزاعـة عـنـهـا ، و بـذلـك عـادت لـقـريـش السيـادة علـى
مكـة و حمـايـة البيـت حتـى ظهـور الإسـلام .

     و الـذي تـدل عليـه قصـة بنـاء الكعبـة فـي صحيـح البخـاري ،
أن الخليـل لمـا أسكـن ابنـه و أمّـه هنـاك لـم يكـن بهـا أحـد . و
أن الجـراهمـة أول مـن أقـامـوا بجـوار إسـمـاعـيـل ، ممـا يـدل
علـى أن مكـة لتم تنشـأ إلا بعـد نبـع زمـزم ، و بنـاء البيـت ، و
اتصـال إسمـاعيـل بالجـراهمـة ، و مصـاهـرتـه فيهـم ، و ستـأتـي
هـذه القصـة إن شـاء الله تعـالـى .

المـدينـة : و هـي تقـع
علـى بعـد نحـو مـن ثـلاثـمـائـة مـيـل شـمـال مـكـة (480 كلم) ، و
كـان اسـمـهـا الغـالـب عليهـا فـي الجـاهليـة هـو يثـرب ، و قـد
ورد فـي الـقـرآن الـكـريـم ، و هـي تقـع بـيـن حـرّتيـن ، و
أرضـهـا تـشـتـهـر بالـخـصـب مـن قـديـم ، و بهـا البسـاتيـن ، و
النخيـل ، و الفـواكـه ، و الـزروع .

     و قيـل إن تـاريـخ نشـأتـهـا يـرجـع إلـى نحـو سنـة ستمـائـة
و ألـف قبـل الميـلاد ، و كـان يسكنهـا الـعـمـاليـق فـي بـادىء
الأمـر ، ثـم ارتـحـل إليهـا بـعـض الـيـهـود لمـا تتعـرضـوا
لمـوجـات مـن الإضطهـاد ، و القتـل ، و الأسـر علـى يـد بختنصـر
البـابلـي و غيـره ، فـأقـامـوا بهـا ، و مـن هـذا يتبيـن أن
اليهـود طـارئـون و دخـلاء عـلـى المـدينـة ، و مـن كـرم العـرب أن
تـركـوهـم يـسـاكـنـونـهـم فيهـا ، حتـى جـاء الإسـلام ،
فاستعمـلـوا الـدس ، و الـغـدر ، و الـخـيـانـة مـع الـنـبـي و
المـؤمنيـن ، فلـم يكـن بـدّ مـن إجـلائهـم عنهـا كمـا سيـأتـي إن
شـاء الله تعـالـى .

     و بعـد انهيـار سـد مـأرب ، نـزلـت بعـض القبـائـل
الـعـربـيـة الجـنـوبـيـة ، و هـمـا قبيلتـا الأوس و الخـزرج ،
فـوجـدوا الثـروة و المـال مـع اليهـود فـاسـتـعـانـوا
بـإخـوانـهـم العـرب ، فـأعـانـوهـم ، فـقـتـلـوا رؤسـاءهـم و
أذلـوهـم ، و أصبـح للأوس و الخـزرج الـزعـامة بيثـرب . غـيـر أن
نقطـة الضعـف الـرئيسـة فـي مـوقـف عـرب يثـرب مـن الأوس و الخـزرج
هـي التنـافـس و العصبيـة فيمـا بينهـم ، و كـانـت تلـك هـي فـرصـة
اليهـود غـالبـاً ، هـؤلاء الـذيـن كـانـوا يحـرشـون بـينـهـم و
يـذكـون روح العصبيـة و التنـافـس حتـى يصـل الأمـر إلـى الحـروب و
سـفـك الـدمـاء بيـن الإخـوة ، و ظهـر الإسـلام و الأمـر علـى تلـك
الحـال ، و كـانـت آخـر الحـروب بيـن الأوس و الخـزرج ، هـي حـرب
بـعـاث التـي وقعـت قـبـيـل الهجـرة بـقـليـل .

     و عنـد مـجـيء الإسـلام ، سـارعـت إلـيـه القبيـلتـان ، و
عـرفـتـا فـيـمـا بعـد بالأنصـار .

     و كـانـت المـدينـة مـن قـديـم الـزمـان تـقـع عـلـى طـريـق
الـقـوافـل الـتـجـاريـة بيـن الجنـوب و الشمـال ، و بيـن مـكـة و
الـشـام ، ممـا جعـلـهـا تـزدهـر ، و قـد اكتسبـت بعـد مجـيء
الإسـلام وهجـرة النبـي صلّـى الله عليـه و سلّـم و أصحـابـه
إليهـا مكـانـة ممتـازة ، فقـد أضـحـت عـاصـمـة الإسـلام ، و
قـلـبـه الـنـابـض ، و قطبـه الـذي تـدور عليـه رحـاه ، و قـد جعـل
النبـي المـدينـة حـرمـاً آمنـاً ، فـفـي الحـديـث الـصـحـيـح
الـذي رواه مـسـلـم فـي صـحـيـحـه عـن الـنـبـي صـلّـى الله عليـه
و سلّـم أنـه قـال : (إن إبـراهيـم حـرّم
مكـة و دعـا لأهـلـهـا ، و إنـي حـرمـت المـدينـة كـمـا حـرم
إبـراهـيـم مكـة ، و إنـي دعـوت فـي صـاعـهـا ، و مـدّهـا ،
بـمـثـلـي مـا دعـا به إبـراهـيـم لأهـل مـكـة
) و فـي
روايـة (بـمثـل مـا دعـا بـه إبـراهيـم)
(صـحيـح مسلـم ، كـتـاب الحـج ، بـاب فـضـل المـدينـة)
. و
فـي الحـديـث الـصـحـيـح أيضـاً : (إن
إبـراهـيـم حـرّم مـكـة و أنـا أحـرم مـا بـيـن لابـتـيـهـا فـلا
يسفـك فيهـا دم ، و لا يصـاد بهـا صيـد ، و لا يهـاج بهـا طيـر ، و
لا يعضـد
(يقطـع)
بـهـا شـجـر
) ، و كـذلـك ورد أنـهـا حـرم فـي صـحـيـح
البخاري (صحيـح البخـاري ، كتـاب الحـج ، بـاب
حـرم المـدينـة)
.

     و كـانـت تـسـمـى (يـثـرب) فـسـمـاهـا الـنـبـي (طيبـة) و
(طـابـة) ، و نهـى أن يقـال (يثـرب) ، و فـي المـدينـة الـمـسـجـد
الـنـبـوي ، ثـانـي الـمـسـاجـد المـشـرفـة الـتـي تـشـد إليهـا
الـرحـال ، و إن كتان ثـالثهـا فـي البنـاء ، و فـي المسجـد
النبـوي الـروضـة ، ففـي الحـديـث الصحيـح الـذي رواه مسلـم : (مـا
بـيـن بـيـتـي و منبـري روضـة مـن ريـاض الجنـة
) و فـي
الـمـسـجـد الـنـبـوي أفـضـل بـقـعـة ضـمّـت أفـضـل جـسـد لـبـشـر
.

     و فـي المـدينـة و مـا جـاورهـا آثـار و ذكـريـات عـزيـزة
للنبـي صـلّـى الله عليـه و سـلّـم ، و أصـحـابـه ، و لأيـام
الإسـلام ، و أحـداثـه و تشـريعـاتــه ، و فيهـا الـبـقـيـع
مـقـبـرة خـيـار المـسـلـمـيـن مـن الـصـحـابـة و الـتـابـعـيـن ،
و مـن بـعـدهـم مـن أئـمـة العـلـم ، و الـديـن ، فـلا عـجـب إذا
كـانـت تـهـفـو إلـيـهـا قـلـوب ألـوف المسلميـن كـل عـام ، و
ميـنـاء الـمـدينـة التـي تشـرف علـى البحـر الأحمـر ينبـع ، و
تبعـد عنهـا نحـواً مـن مـائـة و ثـلاثيـن ميـلاً (210 كلـم) .

الطـائـف : و هـي بلـدة
تـقـع عـلـى بـعـد نحـو خـمـسـة و سبعيـن ميـلاً (120 كلـم) إلـى
الجنـوب الشـرقـي مـن مكـة ، علـى ربـوة عـاليـة يبلـغ ارتفـاعـهـا
نـحـو خـمـسـة آلاف قـدم علـى ظهـر جبـل (غـزوان) ، فمـن ثـمّ كـان
هـواؤها بـارداً فـي الصيـف ، و كـانـت و لا تـزال مصيـف أهـل مكـة
، و غيـرهـم ، قـال الشـاعـر :
                  تـشـتـو بـمـكـة نـعـمـة                   و
مـصـيـفـها بـالـطـائـف

     و يـحـيـط بـهـا وديـان كـثـيـرة تـتـجـمـع بـهـا الميـاه فـي
مـوسـم الأمطـار ، و بهـا عيـون و آبـار كبيـرة ، و أرضـهـا
خـصـبـة تـكـثـر بـهـا الحـدائـق ، الـتـي تـثـمـر الفـواكـه
الجيـدة ، و بهـا تجـود الـزروع و الحبـوب ، و لا تـزال إلـى
وقتنـا هـذا ، يجلـب منهـا لأهـل مكـة و غيـرهـا الفـواكـه كالعنـب
، و المشمـش ، و الـرمـان ، و غيـرهـا .

     و كـانـت تـسـكـن الـطـائـف قـديمـاً قبيلـة ثـقيـف ، و
كـانـت مـن أعتـى القبـائـل ، و أصعبهـا مـراسـاً و عنـاداً ، و
قـد استـأذى بهـم النبـي ، و دعـا لهـم حتـى هـداهـم الله للإسـلام
.

جـدة : هـي مينـاء مـكـة
عـلـى الـبـحـر الأحمـر ، و هـي تبعـد عـن مـكـة نحـو خمسـة و
سبعيـن كيلـومتـراً ، و أرضـهـا رمـلـيّـة ، و لـيـس بـهـا زراعـة
، و هـي أهـم مـوانـىء الحـجـاز كـلـهـا ، و عـن طـريـقـهـا يـدخـل
المـسـتـورد ، و يخـرج المصـدّر ، و هـي مـن المـراكـز التجـاريـة
المـهـمـة بالبـلاد ، و تـقـع عـلـى أحـد الطـريقيـن المعبـديـن
بيـن مكـة و المـدينـة الآن ، و قـد أصبحـت الآن عـروس مـوانـىء
البحـر الأحمـر بـعـد أن ضـربـت فـي الـحـضـارة و الـعـمـران بحـظ
كـبـيـر ، و قـد اسـتـبـحـر فيهـا العمـران مـن جميـع جهـاتهـا و
لا سيمـا مـن جهـة مكـة .

الحجـاز لـم تطـأه قـدم مغيـر :
     و قـد شـاء الله تـبـارك و تـعـالـى ألا تـطـأ الـحـجـاز قـدم
دخـيــل قـط ، أو مـغـيـر ، و لا كـان لأحـد مـن الــدول
المـجـاورة الـقـويـة عليهـا سـلـطـان ، و لـعـل ذلك لـوعـورة
الأرض و كـثـرة الجـبـال ، و ضيـق المسـالـك ، و سعـة مغـاورهـا ،
كمـا أن حـالتـه الإقتصـاديـة لـم تكـن لـتـطـمـع أحـداً فيـه ،
فـمـن ثـمّ بـقـي أهـلـه عـلـى مـا فطـروا عليـه مـن الحـريـة ، و
الإنطـلاق ، و مـا اتصفـوا بـه مـن الخـلال الكـريمـة ، و بـقـيـت
أنـسـابهـم سليمـة مـن الـهجنـة (الهجيـن مـن الإبـل و الخيـل : من
أبـوه عـربـي و أمـه غـيـر عـربيتة ، و الهجنـة هـي اختـلاط نسـب
العـرب بـنسـب الـعـجـم) ، و لغتهـم سليمـة مـن العجمـة ، و لا
سـيـمـا مكـة المكـرمـة ، فلـم يكـن بهـا إلا العـرب الخلّـص ، مـا
عـدا أنـاسـاً لا حـول لهـم و لا طـول ، و لا أثـر لـهـم يـذكـر
فـي حـيـاة الـعـرب فـي الـجـاهـلـيـة ، و إنـمـا كـانـوا
يحـتـرفـون بـعـض الـحـرف كالحـدادة ، و الـصيـاغـة ، و خـدمـة
الأشـراف ، و العمـل لهـم فـي تجـاراتهـم ، و بسـاتينهـم ، و هـم
طبقـة العـبيـد و الأرقـاء مـن الحـبـشـة ، و الـروم و فـارس ،
مـمـن لا يـتـطـاولـون إلـى قـريـش ، أو مصـاهـرتهـا ، أو
التـأثيـر فيهـا .

     و بـعـضـهـم كـان نـصـرانـيـاً كجبـر الـرومـي ، و عـدّاس
النّينـوي ، إلا أنهـم لـم يكـن لهـم مـن علـم النصـرانيـة إلا
الإنـتـمـاء إلـيـهـا ، و بـعـضـهـم كـان عـلـى ديـن قـريـش ، و
قـد صـار مـعـظـم هـؤلاء مـن أسعـد النـاس بالإسـلام و أكـرمهـم
عنـد الله تبـارك و تعـالـى ، أمثـال بـلال الحبشـي ، و صهيـب
الـرومـي ، و سلمـان الفـارسـي رضـي الله عنهـم و أرضـاهـم .

عن المدير