الكتاب الأول: مقدمات في دراسة السيرة النبوية الشريفة
الباب الأول: دراسة السيرة النبوية الشريفة ومزاياها وأهدافها
الفصـل الأول: التـأليـف الإنتقـائـي والعشـوائـي للسيـرة
المبحـث الثـانـي: التـأليـف فـي السيـرة عنـد التـابعيـن وتـابعيهـم
المطلـب الأول: رجـال الطبقـة الثـالثـة مـن كتَّـاب المغـازي والسيـر
الفرع السادس: خـلاصــة :
هؤلاء العلماء الذين ذكرناهم، هم الأشخاص الذين أدوا دوراً في تدوين ورواية أحداث السيرة التي سبقت سيرة محمد بـن إسحاق التي تمثّلت فيها جهود معظم هؤلاء الأشخاص وهم أشهر وأكبر مؤرخي وكتاب المغازي والسير، طوال القرنين الأول والثاني للهجرة ومطلع القرن الثالث (المغـازي الأولـى ومؤلفوها ليوسف هوروفتس)، ومن خلال ما مر نستطيع أن نستنتـج النتائج الآتية:
1 – إن أكثر وأشهر كتاب السير والمغازي الأولين، كانوا من أهل المدينة، وكان ذلك أمراً طبيعيّاً، لأن أكثر أحداث السيرة، وكل المغازي كانت في المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم هو محور كل ذلك، وكان من حوله من الصحابة أعرف الناس بتلك الأخبار، لأنهم شهودها ومشتركون فيها، وكان يروونها ويحدثون بها ويتناقلونها في فخر واعتزاز كبيرين، وقد تلقى التابعون منهم كل ذلك بشغف كبيـر وسلموا كل ذلك إلى رجال التدوين الذين حفظوه بكل تفاصيله، وسلموه بدورهم للأجيال التالية حتى وصل إلينا، وهو ثروة قلما حظيت بها أمة من الأمم عن تاريخ نبيها وسيرته ومغازيه، فجزاهم الله خير الجزاء، وغفر لهم، وأسكنهم فسيح جناته.
2 – كانت السير والمغازي في البداية جزءاً من الحديث يرويه الصحابة، كما يروون الأحاديث، وقد شغلت السيرة النبوية حيزًا غير قليل من الأحاديث، والذين ألفوا في الأحاديث لم تخلُ كتبهم من ذكر ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه وخصائصه ومناقبه، وقد استمر هذا المنهج، حتى بعد أن انفصلت السيرة، عن علوم الحديث، وأصبحت علماً مستقلًّا، له علماؤه ومؤلفوه، وأقدم كتاب وصل إلينا في علم الحديث، وهو موطأ الإمام مالك بن أنس المتوفي سنة 179 هـ لم يخلُ من ذكر طائفة كبيرة من الأحاديث التي تتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه وأسمائه، وذكر ما يتعلق بالجهاد.
واستمر هذا التقليد، أو هذا المنهج بعد ذلك في كتب كبار علماء المحدثين، وفي مقدمتهم الإمامان البخاري المتوفي سنة 256 هـ ومسلم بن الحجاج المتوفي سنة 261 هـ فقد اشتمل صحيحاهما على جزء كبير من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضائله وفضائل أصحابه ومناقبهم، وقد شغل ذلك عشر صحيح البخاري وحذا حذو البخاري ومسلم أصحاب السنن والمسانيد في كتبهم.
3 – سلك معظم المؤلفين الأوائل في السيرة والمغازي مسلك علماء الحديث؛ من حيث العناية بالإسناد، وإن بعضهم كمحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر الواقدي وأمثالهما قد اضطر هؤلاء مراعاة لسير الحوادث وترتيبها في نسق واحد، أن يجمعوا الأسانيد، ويجمعوا بعد ذلك المتن، من غير أن يفردوا كل جزء من المتن بسنده، وقد قصدوا بذلك عرض الحادثة التاريخية في إيجاز؛ تسهيلًا على القراء. ولكن المحدثين عابوا عليهم تلك الطريقة، وهاجموهم من أجلها، كما ذكرنا آنفاً.
وبعد؛ فهؤلاء هم أشهر رواد علم السيرة النبوية ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم نقدمهم للمسلمين؛ ليعرفوا فضلهم في تسجيـل أحداث أشرف سيرة وأعطر حياة عرفتها البشرية، وهي سيرة وحياة خير الخلق أجمعين؛ محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.