مروج الذهب ومعادن الجوهر، والتنبيه والأشراف لعلي بن الحسين المسعودي

الكتاب الأول: مقدمات في دراسة السيرة النبوية الشريفة
الباب الثاني: تطور الكتابة في السيرة النبوية الشريفة وتأريخها
الفصل الثاني: كتابة السيرة الشاملة والمستقلة وتطورها
المبحث الثالث: السيرة النبوية المدمجة ضمن المصنفات التأريخية
المطلب الأول: السيرة النبوية المدمجة ضمن كتب التأريخ العام
الفرع الثاني : المصنفات التي وصلت إلينا في التأريخ العام

4 . “مروج الذهب ومعادن الجوهر”، و “التنبيه والأشراف” لعلي بن الحسين المسعودي (ت 345 هـ)
هـو أبـو الحسـن علـي الحسيـن بـن علـي الهـذلـي، يـرجـع نسبـه إلـى الصحـابـي الجليـل عبـد الله بـن مسعـود، نشـأ فـي عـاصـمـة الخـلافـة بغـداد وجـاب الأقطـار والبلـدان ورحـل شـرقـاً وغـربـاً للإطـلاع والسمـاع مـن أهـل العلـم والـدرايـة والإستفـادة مـن ثـقـافـات الشعـوب والأمـم، فـوصـف الأمـاكـن التـي زارهـا فـي ثـنـايـا كتبـه، ولأجـل ذلك جـمـع مـن الحقـائـق التـأريخيـة والجغـرافيـة مـا لـم يسبقـه إليـه أحـد، وافـاه الأجـل المحتـوم فـي الفسطـاط بـأرض مصـر.

شـغـلـت سيـرة الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم مكـانـاً بـارزاً فـي مصنفـات المسعـودي ولا سيمـا كتبـه التـي خصصهـا للحـديـث عـن التـأريـخ الـعـام للمسلميـن وغيـرهـم، وذلك مـن الإشـارات الـمـتـكـررة التـي حـوتـهـا المصنفـات التـي وصلـت إلينـا مـن نتـاج المسعـودي مـثـل كـتـاب (مـروج الـذهب) وكـتـاب (التنبيـه والأشـراف)، فـلـو كـانـت تـلك المصنفـات الـتـي أحـال إليهـا الـمـسـعـودي مـوجـودة لـوجـدنـا مـدى الـحـجـم الهـائـل الـذي خـصـص لسيـرة الـرسـول صـلـى الله عليـه وسلّـم منهـا، ولكـن لـم يسلـم مـن تـراث المسعـودي سـوى هـذيـن الـكـتـابـيـن آنـفـي الـذكـر، واللـذيـن سنستعـرض مـكـانـة كـل مـنـهـمـا فـي الإطـار العـام لسيـرة الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم، فـي كـتـب التـأريـخ العـام.

أولاً: كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر:
إن هـذا الكتـاب فـي الأصـل هـو مختصـر لكتـابيـه (الكتـاب الأوسـط فـي الأخبـار)، و(أخبـار الـزمـان ومـن أبـاده الحـدثـان)، إذ بيـن المسعـودي هـذا الأمـر فـي ديبـاجـة كتـابـه هـذا، وقـد اتبـع المسعـودي فـي كتـابـه هـذا منهجـاً مـوضـوعـيـاً تنـاول فيـه الحـوادث بحسب وقـائعهـا دون الإعتمـاد علـى السنـوات التـي حصلت فيهـا تلك الحـوادث.

اتـسـمـت كتـابـة المسعـودي للتـأريـخ فـي كتـابـه هـذا بأنهـا قـد اضـفـت طـابـعـاً تـجـديـديـاً لـه، وذلـك فـي قـيـام المسعـودي باستعـراض كـتـب التـأريـخ والأخبـار قبلـه وتحليلهـا ونقـدهـا وتبيـان مـواطـن القـوة والضعـف فيهـا، وهـذا مـا بينتـه مـقـالتـه التـي مفـادهـا: (وقـد ألـف النـاس كـتـبـاً فـي الـتـأريـخ والأخـبـار مـمـن سـلـف وخـلـف، وأصـاب الـبـعـض وأخـطـأ بـعـض آخـر …).

كـان هـذا المنحـى الـذي أتبعـه المسعـودي فـي كتـابـة التـأريـخ يـعـدّ نقلـة نـوعـيـة فـي أسـاليـب الـكـتـابـة التـأريخيـة عـنـد المسلميـن وذلك بـاتبـاعـهـم مـنـاهـج يعمـل بهـا الآن فـي الـدراسـات الأكـاديميـة التـي تعنـى بنقـد وتحليـل المصـادر، إذ يشيـر هـذا الأمـر إلـى كـون المسلميـن قـد ابتكـروا هـذا الأمـر قبـل عـشـرة قـرون مـن الآن، وهـذا مـا يـعـدّ إسـهـامـاً حضـاريـاً أضفتـه عقليـة المسعـودي علـى الكتـابـات التـي صنفت مـن قبـل المسلميـن.

فضـلاً عـن هـذا فـإن الـمـسـعـودي قـد نبهنـا فـي مـقـدمـة كـتـابـه هـذا إلـى ظـاهـرة لـم ينتبـه لهـا المصنفـون الـذيـن سـبـقـوه فـي الـكـتـابـة وذلك بـحـصـول حـذف وشـطـب وسـرقـة لـبـعـض المصنفـات الـتـي كـتـبـهـا الـعـلـمـاء فـي عـصـره، إذ يـقـول مـبـيـنـاً هـذا الأمـر: (وقـد وسمـت كتـابـي هـذا بكتـاب (مـروج الـذهـب ومعـادن الجـوهـر) لـنـفـاسـة مـا حـواه وعـظـم خـطـر مـا اسـتـولـى عليـه مـن طـوالـع بـوارع مـا تضمنتـه كتبنـا السـالـفـة فـي مـعـنـاه … وجعلتـه تحفـة للأشـراف مـن الملـوك وأهـل الـدرايـات … فمـن حـرف شيئـاً مـن مـعـنـاه أو أزال ركـنـاً مـن مبنـاه أو طـمـس واضـحـة مـن معـالمـه أو لبـس شـاهـدة مـن تـراجمـه، أو غيـره أو بـدلـه أو أشـانـه أو إختصـره أو نسبـه لغيـرنـا أو أضـافـه لـسـوانـا فـوافـاه مـن الله وقـوع نقمـه وفـوادح بـلايـاه مـا يعجـز عـن صبـره ويـحـار لـه فكـره وجعلـه الله مثلـة للعـالميـن وعـبـرة للمعتبـريـن، وآيـة للمتـوسميـن وسلبـه الله مـا أعـطـاه وحـال بينـه وبـيـن مـا أنــعـم عـلـيـه مـن قـوة ونعمـة مبتـدع السمـوات والأرض مـن أي الملل كـان والآراء، إنـه علـى كـل شـيء قـديـر)، ويـذكـر بعـد هـذا التحـذيـر والـتـخـويـف تسـويغـاً لذلك، إذ يقـول: (وقـد جـعـلـت هـذا الـتـخـويـف فـي أول كـتـابـي هـذا وآخـره ليكـون رادعـاً لمـن ميلـه هـوى أو غلبـه شقـاء فيـراقـب أمـر ربـه وليحـادر منقلبـه فالمـدة يسيـرة والمسـافـة قصيـرة وإلـى الله المصيـر).

بيـن لنـا هـذا الكـلام وجـود حـالات سـرقـة وتحـريف لبعـض المصنفـات وشـطـب لبعـض المعلـومـات التـي تـرد فيهـا وذلك فـي عـصـر المسعـودي أو العصـر الـذي سبقـه، فلـولا وجـود هـذه الظـواهـر فـي عصـره لمـا كـتـب هـذه العبـارات التـي يستشـف منهـا الخـوف الـذي اعتـرى المسعـودي عـلـى كتـابـه هـذا مـن قيـام بعـض العـابثيـن بتغييـر معـالمـه أو بتغييـر نسبتـه إليـه؛ وهـذا أمـر لـم نـألفـه فـي الـمـصـادر الـتـي تـقـدمـتـه، لاعـتـزازه الكبيـر بـمـا كـتـب مـن أمـور فـي كتـابـه هـذا والطـريقـة التـي عـرض بهـا الحـوادث الـتـي أرخهـا فيـه.

شـغـلـت السيـرة النبـويـة حـيـزاً بسيطـاً مـن هـذا الكـتـاب، ولكـن المنحـى الكتـابـي لهـذه الصفحـات القليلـة قـد تنـوع تنـوعـاً جـوهـريـاً مـن حيث أسلـوب عـرضـه الـذي لـم نـألفـه فـي المصـادر المتقـدمـة عـن سيـرة الـرسـول صلى الله عليـه وسلّـم، وهـذا المنحـى الـذي أكسب كتـابـة السيـرة عنـد المسعـودي ضمـن التـأريـخ العـام بخـاصـة والسيـرة بعامـة تطـوراً، وذلك لعـدة أسبـاب منهـا:

1 . التقـديـم والتـأخيـر فـي حـوادث السيـرة، وعـدم الإلتـزام بالأسبقيـة الـزمنيـة لكـل حـدث حيـن عـرضـه، وهـذا الأمـر نـاشـئ عـن كـون الـمـسـعـودي قـد أنتهـج نهـجـاً مـوضـوعيـاً فـي عـرض حـوادث كتـابـه، ولـم يقتصـر علـى هـذا الحـد بـل قـام أيضـاً بتكـرار بعـض الحـوادث التـي عـرضهـا فـي أمـاكـن مختلفـة فـي قسـم السيـرة مـن كتـابـه هـذا.

وهـذا الأمـر قـد تـنـبـه لـه أحـد البـاحثيـن، إذ أشـار إلـى ذلك بالـقـول: (إنـه لـم يـركـز بحـوثـه وفصـول الكتـاب الـواحـد فبينمـا هـو مـشـغـول فـي مـوضـوع خـاص تـراه يـطـفـر فجـأة إلـى مـوضـوعـات أخـرى فينفصـل عنهـا ويتبسـط فـي الكـلام عنهـا، حتـى إذا مـا انـتـهـى منهـا أحـس بأنـه قـد إبتعـد عـن المـوضـوع، عـاد فيعتـذر عـن هـذا الإستطـراد ملمحـاً بأنـه قـد بـحـث عنـه بحثـاً مبسطـاً فـي كـتـبـه السـابقـة، ولـذلك فـهـو يكتفـي بمـا أورده ليعـود إلـى مـوضـوعـه الـذي كـان فيـه …) (مـوارد المسعـودي فـي التـأريـخ لجـواد علـي)، وينتهـي هـذا البـاحـث إلـى عـدّ هـذا المسلك مـن قبـل المسعـودي مسلكـاً إتسـم بالعجلـة فـي كتـابـة المصنفـات وعـدم رجـوعـه إلـى مـا دوّنـه سـابـقـاً، الأمـر الـذي أوجـد تـنـاقـضـاً فـي مـا كتـب حتـى أن بعـض المستشـرقيـن قـد وصـف منحـى المسعـودي هـذا بالتسـرع وقلـة الـصـبـر وعـدم تمكنـه مـن تـركـيـز جـهـده فـي مـوضـوع واحـد و بتنقلـه مـن مـوضـوع إلـى آخـر وبـاسـتـطـراده وخـروجـه مـن مـوضـوعـات رئيسـة إلـى مـوضـوعـات ثـانـويـة (مـوارد المسعـودي فـي التـأريـخ لجـواد علـي).

2 . الإقتضـاب والإختصـار واخـتـزال حـوادث السيـرة ومتعلقـاتهـا إلـى أقصـى حـد ممكـن إذ أشـار إلـى ذلك الأمـر فـي مقـدمتـه التـي افتتـح بهـا كتـابـه هـذا الـذي جعلـه مختصـراً لكتـابيـن مـن كـتـبـه، إذ أدى ذلك بطبيعـة الـحـال إلـى أن يستعمـل أسـلـوب الإحـالـة إلـى الكتب التـي صنفهـا أو صفحـات كتـابـه هـذا وذلك فـي المـوضـوع الـذي اقتضب فيـه الحـديـث.

عـلل المسعـودي انتهـاجـه هـذا المسلك بقـولـه: (ولـم نعـرض فـي كتـابنـا هـذا لكثيـر مـن الأخبـار بـل لـوحنـا بالقـول فيهـا تخـوفـاً مـن الإطـالـة ووقـوع المـلل، إذ ليـس ينبغـي للعـاقـل أن يحمـل البنيـة علـى مـا ليـس فـي طـاقتهـا ويسـوم النفـس مـا لـيـس فـي حيلتهـا، وإنمـا الألفـاظ علـى قـدر المعـانـي).

إن مسلك المسعـودي هـذا هـو أسلـوب جـديـد فـي الكتـابـة، إذ لـم نـألفـه بـهـذه الشـاكلـة عـنـد مـن سـبـقـه، بـاستثنـاء اليعقـوبـي الـذي أحـال إلـى بـعـض صـفـحـات كـتـابـه (التـأريـخ)، والطـبـري الـذي فعـل الأمـر نفسـه ولكـن ليـس بـالصيغـة التـي انتهجها المسعـودي.

حفـز هـذا المسلك العلمـاء الـذيـن أتـوا بعـده علـى السيـر علـى مسـاره وإتـبـاع نـهـجـه باخـتـصـار مـواضـيـع كـتـبـهـم وذلك باستعمـال الإحـالـة إلـى المصنفـات أو الـصـفـحـات مـن الـكـتـب التـي تـوسـعـت بـذكـر تـفـاصيـل الحـوادث التـي تطـرقـوا لهـا (الإستيعاب في معرفة الأصحاب ليوسف ابن عبد البر وجوامع السيرة النبوية لعلي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسي).

3 . الإبتعـاد عـن عـرض الجـوانب الشخصيـة والإعجـازيـة فـي سيـرة الرسـول صلى الله عليـه وسلّـم مثـل دلائـل نبـوتـه وصفـاتـه ومقتنيـاتـه مـن أسلحـة وأدوات ودواب، إذ لـم يـورد أيـة روايـة تضمـن ذكـراً لهـذه الجـوانـب باستثنـاء روايـة واحـدة تعـرض فيها لحـادثـة شـق الصـدر مـن قبـل الملكيـن اللذيـن أخـرجـا علقـة مـن قلب الـرسـول صلـى الله عليـه و سلّـم.

وقـد يـكـون سـبـب عـزوف المسعـودي عـن عـرض هـذه الـجـوانـب طبيعـة الكتـاب الـذي جعلـه مختصـراً علـى لمـع مـن الأخبـار مـن دون التعـرض لتفـاصيـل الأحـداث ومتعلقـات الأمـور.

4 . إيـراد الروايـات المتعـارضـة والمختلف فيهـا بيـن المـؤرخيـن أنفسهـم، فمـن ذلك مـا أورد مـن روايـات عـن إسـلام الإمـام علـي عليـه السـلام ومـا قـيـل فيـه، وقـد أحـال الـمـسـعـودي بـعـد ذلك إلـى الـكـتـب التـي صنفهـا والـتـي عـرض فـيـهـا هـذا المـوضـوع بـإسهـاب، وكذلك أورد الآراء المختلفـة فـي أسمـاء أجـداد الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم بعـد جـده عـدنـان، إذ بيـن سبب ذكـره هـذا الإخـتـلاف بـأنـه أعلـم النـاس بعـدم اتفـاق المـؤرخيـن حـول ذلك.

عـلل المسعـودي هـذا المنحـى بغـايـة أجملهـا فـي كتـابـه قـائـلاً: (وإنمـا حكينـا هـذا الخـلاف ليعلـم مـن نظـر في كتابنا هذا أنا لم نغفل شيئاً مما قالوه ولا تركنا شيئاً ذكروه إلا أنا ذكرنا ما تأتى لنا ذكره، وأشرنا إليه).

5 . إيـجـاد منهـج تـوفيقـي بيـن الإستعـراض الحـولـي للحـوادث الـتـي تـجـري فـي السنـة الـواحـدة، والإستعـراض المـوضـوعـي، إذ تعـرض للحـوادث باستقـلاليـة عـن التـي تليهـا؛ وهـذا مـا رأينـاه واضحـاً فـي قسـم السيـرة مـن كتـابـه (مـروج الـذهـب). إذ أجمـل المسعـودي فـيـه حـوادث سـنـوات عـمـر الـرسـول صلـى الله عليـه وسـلّـم الشـريف فـي فقـرات مستقلـة ومبعثـرة فـي أمـاكـن مختلفـة مـن هـذا القسـم، ورأينـاه بعـد أن عـرض حـوادث الـرسـالـة فـي أبـواب مستقلـة يقـوم فـي خـواتـم هـذه الأبـواب بكتـابـة فقـرة تجمـع هـذه الحـوادث فـي تقسيمهـا علـى سنـوات عمـره الشـريـف وذلك حيـن يعـرض هـذه السنـوات ومـا حصـل فيهـا مـن حـوادث أسمـاهـا (جمـاع الحـوادث).

أوضـح المسعـودي منحـاه هـذا والـدافع الـذي حـداه علـى كتـابـة السيـرة بهـذه الشـاكلـة بأنـه ليقـرب تنـاولها ويسهـل الأخـذ مـن أخبـارهـا. ولـم يقتصـر علـى هـذا الحـد بـل حـاول الفصـل بيـن سنـوات عـمـر الـرسـول صـلـى الله عليـه وسـلّـم قـبـل الهجـرة وبعـدهـا، فقـد استعـرض حـوادث سنـوات عمـره الشـريف مـن السنـة الأولـى حتـى سنـة (54 هـ)؛ وإن كـان استعـراضـه لهـذه السنـوات متعـاقبـاً ومقتصـراً علـى حـوادث السنـوات المشهـورة، ويعـرج بعـد ذلك علـى حـوادث هـذه السنـوات باستعـراضهـا علـى وفـق سنيـن التقـويـم الهجـري ولـيـس عـلـى حـسـاب سنـوات عمـره الشـريـف. وهـذا المنهـج الـذي إتبعـه المسعـودي فـي كتـابـه هـذا منهـج مستحـدث وجـديـد وغـيـر مـطـروق عنـد من سبقـه.

هـذه هـي أهـم الجـوانـب التـي أضـافهـا المسعـودي إلـى كتـابـة السيـرة النبـويـة ضمـن كتـابـه مـروج الـذهـب ومـعـادن الـجـوهـر.

ثانياً: التنبيه والأشراف :
صنف المسعـودي كتـابـه هـذا بعـد أن صنف كتـابـه (مـروج الـذهـب)، إذ جعـل الأخيـر مـن ضمـن مصـادر هذا الكتاب، وهـذا الأمـر هـو الـذي حـدا بنـا علـى عـرض هـذا الكتـاب بعـد كتـاب المـروج فـي التحليـل لقسـم السيـرة منهمـا.

خصص المسعـودي فـي كتـابـه هـذا حيـزاً جيـداً لسيـرة الرسـول صلى الله عليه وسلّم، وقـد نـاهـز ما خصصـه المسعـودي للسيـرة ضعف مـا خصصـه فـي كتـابـه المـروج، علمـاً أن حجـم كتـاب المـروج هـو ضعف حجـم كتـاب التنبيـه تقـريبـاً.

قـبـل عـرض المنـاحـي التطـوريـة لسيـرة الرسـول صلى الله عليه وسلّم فـي كتـاب التنبيـه يـجـب عـقـد مقـارنـة بيـن هـذا الكتـاب والكتـاب الـذي سبقـه، لأجـل معـرفـة نقـاط الإختـلاف والشبـه بينهمـا ومـن ثـم الإستفـادة مـن هـذه المقـارنـة باستنباط الإسهامات الـتـطـوريـة لـكـتـابـة الـسـيـرة الـنـبـويـة ضـمـن كـتـب الـتـأريـخ الـعـام وغيـرهـا؛ ونقـاط الإختـلاف والـشـبـه بـيـن الكتـابيـن تتلخـص بالآتـي:

1 . إن المصـادر التـي اختصـر المسعـودي منهـا كتـابـه التنبيـه هـو أكثـر مـن قـرينتهـا فـي الـمـروج، إذ جعـل كتـابـه التنبيـه مختصـراً لستـة مـن كتبـه أجملهـا فـي قـولـه الـذي مفـاده: (فإننـا لمـا صنفنـا كتـابنـا الأكبـر فـي (أخـبـار الـزمـان ومـن أبـاده الـحـدثـان) … وشفعنـاه ب (الـكـتـاب الأوسـط) فـي معنـاه ثـم قفـونـاه بكتـاب (مـروج الـذهـب ومعـادن الجـوهـر) …. ثـم تلينـا ذلك بكتـاب (فنـون المعـارف ومـا جـرى فـي الـدهـور والسـوالـف) وأتبعنـاه بكتـاب (الإسـتـذكـار لمـا جـرى فـي سـالـف الأعصـار) ذكـرنـا فـي هـذه الكـتـب الأخبـار عنـد بـدء العـالـم والخلق … وذكـرنـا فـي كتـاب (نظـم الأعـلام فـي أصـول الأحكـام) وكتـاب (نظـم الأدلـة فـي أصـول المللـة) وكتـاب (المسـائـل والعـلل فـي المـذاهـب والمـلل) تنـازع المتفقهيـن فـي مقـدمـات أصـول الـديـن والحـوادث التـي اختلفت فيهـا آراؤهـم … وغيـر ذلك مـن فنـون العلـم، وضـروب الأخبـار، ممـا لـم تـأت التـرجـمـة علـى وصفـه، ولا انتظمت ذكـره، رأينـا أن نتبـع ذلك بكتـاب سـابـع مختصـر نـتـرجمـه بـكـتـاب (التنبيـه والأشـراف) …. نـودعـه لمعـاً مـن … تـواريـخ الأمـم … وغيـر ذلك مـن أحـوالهـا ومـا اتصـل بذلك مـن التنبيهـات علـى مـا تـقـدم جـمـعـه وتـألـيـفـه وذكـر مـولـد الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم ومبعثـه وهجـرتـه وعـدد غـزواتـه وسـرايـاه وسـواربـه وكتـابـه ووفـاتـه …) (التنبيـه والأشـراف).

وهـذا مـا يجيبنـا عـن سبب اتسـاع المعلـومـات التـي دونهـا فـي هـذا الكتـاب عـن سـيـرة الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم مـقـارنـة بـكـتـابـه (مـروج الـذهـب) ؛ وذلك لأن المسعـودي قـد اعتمـد علـى اثنيـن مـن كتبـه (أخبـار الـزمـان) و(الأوسـط فـي الأخبـار) اختصـرهـمـا وأخـرج منهمـا هـذا الـمـصـنـف.

2 . الـتـوثيـق الـتـأريخـي للـحـوادث المهمـة لـسيـرة الـرسـول (المـولـد، البعثـة، الهجـرة، الـوفـاة) علـى وفـق التقـاويـم العـالميـة المعمـول بهـا آنـذاك. وهـذا الأمـر هـو خصيصـة خـص بـهـا المسعـودي الـسـيـرة الـنـبـويـة فـي كـتـابـه التنبيـه والأشـراف حـصـراً مـن دون كـتـابـه الـسـابـق الـمـروج، ولـم نـجـده فـي بـاقـي الـمـصـنـفـات التـي تـعـرضـت لـسـيـرة الـرسـول صـلـى الله عـلـيـه وسـلّـم.

أمـا تـوثيقـه للحـوادث فـي كتـابـه المـروج فقـد تنـوع مـا بـيـن الـتـوثـيـق عـلـى وفـق الـحـوادث للـمـرحـلـة الـتـي سـبـقـت الـبـعـثـة مـن حـيـاة الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّم وسنـوات عمـره الشـريف أو سنـوات الهجـرة مـن دون الإشـارة إلـى غيـرهـا مـن التـواريـخ.

3 . أورد المسعـودي فـي كتـابـه هـذا قسمـاً مـن الآيـات والمعـاجـز الـدالـة علـى نبـوة سـيـدنـا محمد صلـى الله عليـه وسلّـم فـي عـرضـه حـوادث السيـرة.

4 . التـشـابـه فـي إجمـال الحـوادث التـي يـوردهـا، وإحـالـة القـارئ إلـى مصنفـاتـه الأخـرى؛ إذ أشـار أكثـر مـن مـرة إلـى منهجـه فـي اختصـار الأخبـار وإجمـالهـا فـي كـل مـن كتـابيـه المـذكـوريـن.

هـذه هـي أوجـه الـشـبـه والإخـتـلاف بيـن المنـحـى الـذي سـلـكـه الـمـسـعـودي فـي إيـراد الـحـوادث فـي كـل مـن كتـابيـه (التنبيـه والأشـراف) و(مـروج الـذهـب ومعـادن الجـوهـر) اللذيـن علق أحـد البـاحثيـن علـى الصلـة التـي تـربـط بينهمـا قـائـلاً: (وقـد رأيـت أن أطـابـق بيـن الكتـابيـن المطبـوعيـن لأرى الفـرق بينهمـا والعلـة التـي دفعت بالمسعـودي علـى تأليف جملـة كتب فـي مـوضـوع واحد، هـل هـي مجـرد إطـالـة واختصـار أو إعـادة وتكـرار للتظـاهـر بكثـرة التـأليف وسعـة المعـرفـة؟ فـوجـدت أن كتـابـه التنبيـه هـو كتـاب صغير مختصـر بالنسبـة إلـى كتـاب مـروج الـذهـب، إلا أننـا لا نستطيـع أن نعتبـره إختصـاراً لـه، لأن الإختصـار هـو إيجـاز تـام كـامـل لمفصـل مبسـوط، وليـس كـتـاب التنبيـه إيـجـازاً لـه بالمعنـى المـذكـور فـفـي مـروج الـذهـب فـصـول عـديـدة لـم تـرد فـي كـتـاب التنبيـه. أمـا المـوضـوعـات المشتـركـة التـي تـرد فـي التنبيـه فهـي وإن كـانـت مـذكـورة فـي مـروج الـذهب ولكنهـا فـي الـواقـع جـزء قليـل مـن كثيـر مـزج باستـدراكـات فـاتـه ذكـرهـا فـي الكتـاب الأول) (مـوارد المسعـودي فـي التـأريـخ لجـواد علـي).

بقـي لنـا أن نـذكـر الإسـهـامـات التطـوريـة التـي أوجـدهـا المسعـودي لكتـابـة السيـرة الـنـبـويـة ضـمـن كـتـب التـأريخ العـام أولاً ثـم كتب السيـرة ثـانيـاً فـي مصنفـه (التنبيـه والأشـراف)، وهـذه الإسهـامـات هـي:

1 . إطـلاق المسميـات علـى السنـوات التـي أعقبـت هجـرة الـرسـول صلى الله عليه وسلّم إلـى المـدينـة حتـى وفـاتـه، وتبيـان الغـرض الـذي مـن أجلـه أطلقت هـذه المسميـات علـى بـعـض مـن سنـوات الهجـرة، وفـي بعضهـا لـم يبيـن سـبـب إطـلاق هـذا الإسـم مـن دون غيـره عليهـا، فـأمـا السنـوات التـي بيـن سبب إطـلاق المسميـات عليهـا فهـي:

   أ . السنـة الثـانيـة مـن الهجـرة فقـد أسمـاهـا ب (سنـة الأمـر) لأنـه أمـر فيهـا بالقتـال.

   ب . الـسـنـة الخـامسـة مـن الهجـرة الشـريفـة فقـد أسمـاهـا ب (سنـة الأحـزاب) وذلك لـوقـوع مـعـركـة الـخـنـدق وتجمـع قـريـش والمخـالفيـن ونـزول سـورة الأحـزاب مـوثقـة بـعـض حـوادثهـا.

   ج . السنـة الثـامنـة منهـا فقـد أسمـاهـا ب (سنـة الفتـح) وذلك لفتـح مكـة فيهـا.

   د . السنـة العـاشـرة منهـا فقـد أسمـاهـا ب (سـنـة حـجـة الـوداع)، وذلك لـوقـوع حـجـة الـوداع التـي سـمـيـت بهـذا الإسـم لأنـه صلـى الله عليـه وسلّـم ودعهـم فيهـا ولـم يحـج بعـدهـا.

   هـ . السنـة الحـاديـة عشـرة مـنـهـا فـقـد أسـمـاها ب (سـنـة الـوفـاة) وذلك لـوفـاة الـرسـول صـلـى الله عـلـيـه وسـلّـم فيهـا.

هـذه هـي الـسـنـوات التـي بـيـن الـمـسـعـودي أسـبـاب أسـمـائـهـا، أمـا باقـي الـسـنـوات (3 ، 4 ، 6 ، 7) مـن الهجـرة الشـريفـة، فقـد أطلـق علـى كـل واحـدة منهـا إسمـاً لـم يبيـن سببـه. وإن منحـى المسعـودي هـذا فـي إطـلاق المسميـات على هذه السنوات هـو اجتهـاد شخصـي منـه، وذلك لأنـه سمّـى هـذه السنـوات بأسمـاء الحـوادث المشهـورة فيهـا. هـذا مـن جـانـب، ومـن جـانب آخـر، فـإن منحـاه هـذا لـم يتبعـه فيـه أحـد مـن المـؤرخيـن المتقـدميـن أو المتـأخـريـن، باستثنـاء المقـدسـي الـذي نقـل بعـض المسميـات التي أطلقهـا المسعودي علـى السنـوات التي تلت هجـرة الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم إلى وفـاتـه، لأن عملـه هـذا كـان مجـرد رأي أو تلطيف للقـارئ أو لمـن يـريـد حـفـظ الحـوادث وسنـوات وقـوعهـا، هـذه هـي أغـراضـه مـن هـذه المسميـات.

2 . الإهـتـمـام بـإيـراد الأحـكـام الـفـقـهـيـة الـتـي شـرعهـا الـرسـول صلـى الله عليـه وسلّـم للـمـسـائـل الـتـي عـرضـهـا فـي كـتـابـه ولا سـيـمـا فـي قـسـم السيـرة منـه، إذ ذكـر اختـلاف الفقهـاء فـي المسـائـل المتنـازع عليهـا فـي مـا بينهـم وآراءهـم فـيـهـا، فـي حـوادث عـدة، مثـل حـادثـة صـوم شهـر رمضـان والـوقـت الـذي شـرع فيـه، وحـادثـة تقسيـم غنـائـم المعـارك والآراء التـي قيلت فيهـا، وحادثة دخول مكـة بعـدمـا مـنّ الله سبحانـه وتعالـى عليـه بفتحهـا، والإختـلاف فـي كـون دخـولـه عنـوة أم صلحـاً، هـذه الأحكـام الفقهيـة التـي أوردهـا في قسم السيـرة مـن كتـابـه التنبيـه والتـي اقتصـر فيهـا علـى عـرض الأحكـام المختلـف فيهـا حصـراً.

3 . قـدم المسعـودي فـي قسـم السيـرة مـن كتـابـه وصفـاً فـريـداً لـكـل مجمـوعـة عسكـريـة بحسـب عـدد أفـرادهـا، لـم يسبقـه أحـد إليـه فـي مثـل هـذه الكتب، إذ يقـول: (وقـد ذكـر عـدة مـن ذوي الـمـعـرفـة بسيـاسـة الحـروب وتـدابـيـر العسكـر والجيـوش ومقـاديـرهـا وسمـاتهـا، أن السـرايـا مـا بيـن الثـلاثـة نفـر إلـى الخمس مئـة، وهـي التـي تخـرج بالليـل. فـأمـا التـي تـخـرج بالنـهـار فتسمـى السـوارب … ومـا زاد علـى الخمـس مئـة إلـى دون الثمـانـي مئـة فهـي المنـاسـر، وما بلغ الثمـاني مئـة فهـو جيش وهـو أقـل الجيـوش ومـا زاد علـى الثمـانـي مئـة إلـى دون الألـف فهـو الخشخـاش، ومـا بلـغ الألف فهـو الجيـش … ومـا بلـغ الأربعـة آلاف فهـو الجيش الجحفـل، ومـا بلـغ إثنـي عشـر ألفـاً فهـو الجيـش الجـرار، وإذا افتـرقـت السـرايـا والسـوارب بعـد خـروجهـا فمـا كـان دون الأربعيـن فـهـي الجـرائـد، ومـا كـان مـن الأربعيـن إلـى دون الـثـلاث مـئـة فهـي المقـانب، ومـا كـان مـن الثـلاث مـئـة إلـى دون الخمـس مـئـة فهـي الجمـرات، وكـانـوا يـسـمـون الأربـعـيـن رجـلاً إذا وجهـوا الـعـصـبـة، ويـقـولـون خـيـر الـسـرايـا أربـع مـئـة، وخـيـر الـجـيـوش أربعـة آلاف … وإن الكتيبـة مـا جمـع فلـم ينتشـر، وإن الحضيـرة النفـر الـذيـن يغزي بهـم العشـرة فمـن دونهـم، والنفيضـة جـمـاعـة يـغـزى بهـم ليسـوا الـجـيـش، وإن الأرعـن الجيـش الـكـثـيـر … والـخـمـيـس الـجـيـش الـعـظـيـم والجـرار … أكـثـر مـا يـكـون مـن الـجـيـوش الـعـظـمـى) (التـنـبيـه والأشـراف).

وهـذا الأمـر يـعـدّ نـقـلـة نـوعـيـة للكتـابـة التـأريخيـة بـعـامـة، وذلك بسبب نـدرة عـرض المـؤرخـيـن لهـذه المسـائـل ولا سيمـا مصنفـي كتب الأخبـار والسيـر.

4 . عـرض عـقـائـد الـفـرق الإسـلامـيـة فـي الـروايـات الـتـي يـحـتـجـون بـهـا مـن حـوادث السيـرة، لإثبـات صـدق دعـواهـم، مـع التعـريـف بقسـم مـن هـذه الفـرق، إذ وجـدنـا هـذا الأمـر شـائعـاً فـي كـتـاب التنبيـه، فمـن الـروايـات التـي ذكـر فيهـا آراء الفـرق حـول الحـوادث التـي تضمنتهـا تلك الـروايـات، الـروايـة التـي تحـدثت عـن إرسـال النبـي صلـى الله عليـه وسلّـم للإمـام علـي عليـه السـلام إلـى أهـل مكـة ليقـرأ عليهـم سـورة التـوبـة فـي مـوسـم الحـج بمعيـة أبـي بكـر الصـديـق رضـي الله عنـه، إذ عقـب علـى هـذه الـروايـة بالقـول: (وهـذا الخبـر مـن التنـازع والتـأول بيـن فـرق أهـل الصـلاة مـن أصحـاب النـص مـن الشيعـة، وأصـحـاب الإختيـار مـن الـمـعـتـزلـة والخـوارج والمـرجئـة وفقهـاء الأمصـار وغيـرهـم مـن الحشـويـة و النـابتـة).

تنـاول أحـد البـاحثيـن منهـج الـمـسـعـودي فـي هـذا الجـانـب ووصـفـه بالـقـول: (إن مـنـهـج الـمـسـعـودي فـي العقـائـد والأخـرويـات يـرتفـع إلـى مستـوى أدق منـاهـج المسلميـن فـي البحث فهـو يـروي آراء وأخبـار العقـائـد المخـالفـة … ويستعـرض هذه الآراء بتجـرد صـارم، محتـرمـاً آراء الفـرق والأديـان ومـورداً لتلك المسـائـل) (منهج المسعـودي فـي بـحـث العقـائد والفـرق الدينيـة لحمـود هـادي حسيـن) ، إن انتهـاج المسعـودي لهـذا الأمـر هـو تطـبيـق لمـا عـاهـد بـه نفسـه مـن إيـراد أقـوال أهـل الفـرق فـي الحـوادث المختلـف عليهـا، وذلك بقـولـه: (كـان الـواجب علـى كـل ذي تصنيـف أن يـورد جميـع مـا قـالـه أهـل الفـرق).

وينتهـي أحـد البـاحـثيـن إلـى وصـف مـنـهـج الـمـسـعـودي هـذا بالـقـول: (إن الـمـسـعـودي كـان يبحـث بأسلـوب الـعـالـم الـمـتـجـرد، ويـنـظـر إلى التـواريـخ نظـرة البـاحث المحـايـد والمسجـل الأميـن بحسب جهـده وطـاقتـه) (مـنـهـج المسعـودي فـي بـحـث العقـائد والفـرق الـدينيـة لحمـود هـادي حسيـن).

5 . انفـراد المسعـودي بـذكـر روايـة لـم تعـرفهـا المصـادر التـي سبقتـه أو التـي جـاءت بعـده، وخـالـف فيهـا كـل مـن تعـرض لهـذه الحـادثـة مـن المـؤرخيـن والمحـدثيـن، ألا وهـي حـادثـة يـوم الغـديـر وحـديـث الـرسـول صلى الله عليه وسلّـم للإمـام علـي بـن أبـي طـالـب عليـه السّـلام: (مـن كنت مـولاه فـهـذا علـي مـولاه) إذ أشـارت الـمـصـادر التـي عـرضـت هـذه الحـادثـة إلـى أن الـرسـول صـلـى الله عليـه وسلّـم قـد قـالهـا أثنـاء منصـرفـه مـن حجـة الـوداع سنـة (10 هـ)، أمـا المسعـودي فقـد ذكـر أن هـذه الحـادثـة قـد وقـعـت بعـد منصـرف الـرسـول مـن الحـديـبـيـة سـنـة (6 هـ).

هـذه هـي أهـم المستجـدات التـي أضـافهـا الـمـسـعـودي إلـى كتـابـة السيـرة النبـويـة فـي مصـنـفـه (التنبيـه والأشـراف)، ومـن وضـع هـذه المستجـدات جنبـاً إلـى جـنـب مـع مثيـلاتهـا فـي كـتـابـه الآخـر (مـروج الـذهـب ومـعـادن الـجـوهـر) نـجـد أنـه قـد أضـاف إلـى كتـابـة السيـرة ضمـن كتب التـأريـخ العـام إضـافـة قيّمـة ونـوعيـة تمثلـت بتنـوع المنـاهـج المتبعـة مـع سـلاسـة الأسلـوب وبسـاطـة العـرض المستـرسـل للأحـداث، وعـدم التقليـد الأعمـى للأقـدميـن فـي منـاحيهـم بكتـابـة التـأريـخ، بل كـان يتـرك لنفسه العنـان فـي الإستـرسـال فـي ذكـر الحـوادث مـع شعـوره بعلـو كعبـه فـي الكتـابـة التـأريخيـة علـى مـن سبقـه إذ يقـول: (علـى أنـا لـم نجـد أحـداً حصـل ذلك تحصيلنـا، ولا رتبـه تـرتيبنـا، فمـن أراد علـم ذلك فلـيـتـصـفـح كتب مـن نحـا بهـذا الشـأن مـن الأسـلاف والأخـلاف يقف علـى حقيقـة مـا قلنـا وفضيلـة مـا آتينـا فهـم ذلك بعـد الكفـايـة يـسـيـر، ومطلبـه قبـل الكفـايـة عـسـيـر).

ومـع كـل مـا قلنـاه تبقـى عمليـة إعطـاء صـورة واضـحـة ومتكـاملـة عـن إسهـامـات الـمـسـعـودي التطـوريـة فـي كتـابـة السيـرة النبـويـة نـاقـصـة ومشـوهـة، بسبـب فقـداننـا مصنفـاتـه الأخـرى التـي أحـال عليهـا فـي كتـابيـه المختصـريـن مـن مـؤلفـاتـه الأخـرى، وإذا كـان المختصـر كمـا رأينـا، فكيـف بالمفصـل إذن؟

                                                     

عن المدير