معمـر بـن راشـد

الكتاب الأول: مقدمات في دراسة السيرة النبوية الشريفة
الباب الأول: دراسة السيرة النبوية الشريفة ومزاياها وأهدافها
الفصـل الأول: التـأليـف الإنتقـائـي والعشـوائـي للسيـرة
المبحـث الثـانـي: التـأليـف فـي السيـرة عنـد التـابعيـن وتـابعيهـم
المطلـب الأول: رجـال الطبقـة الثـالثـة مـن كتَّـاب المغـازي والسيـر
الفرع الخامس: معمـر بـن راشـد :

     من رجال الطبقة الثالثة البارزين، من كتاب السير والمغازي، وهو مولى من الموالي وكان من أهل الكوفة، كما يقول ابن النديم (الفهرست لمحمد ابن النديم)، ثم رحل إلى البصرة ثم اليمـن، وظل ينتقل بين هذه البلاد؛ يتلقى العلم عن الشيوخ، وكان أبـرز شيوخه محمد بن مسلم بن شهاب الزهـري، وكان هو من أنبل وأنجب تلاميذ الزهري بعد ابن إسحاق، ولذلك؛ فأكثـر مـا يرويـه معمـر عن السير والمغازي ينسبه إلى شيخه، الإمام الزهري، وكان يتحلى بخلق كريم، وصفات حميدة كثيرة، يقول عنه ابن سعـد: (كـان معمـر رجـلاً لـه حلـم ومـروءة ونبـل في نفسه) (ضحى الإسـلام لأحمد أمين).

     كما كان واسع العلم بالحديـث والسيـر والمغـازي، وإن كان ابن النديـم لم ينسب له سوى كتاب واحد في المغـازي، فقد قال عنـه : (معمـر بـن راشد من أهل الكوفة، يروي عنه عبد الرزاق، من أصحاب السير والأحداث، وله من الكتب كتاب المغازي) (الفهرست لمحمد ابن النديم).

     وحتى هذا الكتـاب لم يصل إلينا، وإنما وصلنا منه مقتطفات في الواقدي وابن سعـد والبلاذري والطبـري. وأشـار سزكيـن إلى أن أحد الباحثين قد قام بنشر هذا الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية (تأريخ التراث العربي لفؤاد سزكين)،

     ولم نستطع الحصول على نسخة منه، الأمر الذي حرمنا من فرصة الوقوف على منهجيـة مؤلفـه وطريقة عرضه لأحداث السيرة، ولكن سزكين قد تولى عنا هذه المهمة فقام بوصف أسلوب الكتاب ومنهجه، إذ قال: (لم يرتب [معمر بن راشد] مادته ترتيباً زمنياً كما فعل معاصروه … بل رتبها ترتيباً موضوعياً على غرار عمل المحدثين) (تأريخ التراث العربي لفؤاد سزكين)، ومن مراجعتنا للإقتباسات التي نقلت من كتابه هـذا تبين لنا مصداقية هذا الرأي وموضوعيته (المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني)،

     فضلاً عن ذلك أن معمـراً لم يلتزم بالمغـازي حصراً بـل وجه عنايتـه كـذلك إلى تأريـخ أهل الكتاب والأقوام السالفة (المغازي الأولى ومؤلفوها ليوسف هوروفتس)، وهذه الظاهرة مشخصة أيضاً فـي النقول التي وصلت إلينـا عن مـدونـة معمـر تلك (المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني).

     اعتمد معمر بن راشد كثيراً في مدولته هذه على ما رواه شيخه الزهري (المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني)، ولأجـل ذلك أطلـق عليه النووي لقب صاحب الزهري (تهذيب الأسماء واللغات لمحيي الدين بن شرف النووي).

     لكنـه حـدث عن آخرين مثل قتادة وعمرو بن دينار، وهمام بن منبه، وأبي إسحاق السبيعي، ومحمد بن زياد القرشي، وعمار بن أبي عمار المكي، وعبد الله بن طاوس، ومطر الوراق، وعبد الله أخي الزهري، والجعد أبي عثمـان، وسماك بن الفضل، وإسماعيل بن أمية، وعبد الكريم الجزري، وعاصم الأحول، وثابت البناني، وعاصم بن أبي النجود، ويحيى بن أبي كثير، ومنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وزيد بن أسلم، وأيوب السختياني، وزياد بن علاقـة، ومحمد بن المنكدر وطبقتهم، وكان من أوعية العلم، مع الصدق والتحري، والورع والجلالة، وحسن التصنيف.

     كما حدث عنه كل من أيوب، وأبو إسحاق، وعمرو بن دينار، وطائفة من شيوخه، وسعيد بن أبي عروبة، والسفيانان، وابن المبارك، ويزيد بن زريع، وغندر وابن علية، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وأبو سفيان محمد بن حميد، ومروان بن معاوية، ورباح بن زيد، ومحمد بن عمر الواقدي، وعبد الرزاق بن همام، ومحمد بن كثير الصنعانيان، ومحمد بن ثور، وخلق سواهم.

     كانت اتجاهاته في كتابة السيرة موافقة لما نحاه شيوخه ومعاصروه نحو الإهتمام بإيراد سند الحديث والرواية، وإثبات الآيات القرآنية التي نزلت في الحوادث التي يتطرقون إلى ذكرها، مع مخالفتهم في إغفال ما قيل في تلك الحوادث من شعر (المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني).

     بقي لنا أن نذكر أن اتجاهات معمر قد نهجت المنحى الذي سلكه المحدثون في ما بعد، وهو عرض الحوادث من دون إخضاعها لعامل السبق الزمني والقدم، فضلاً عن إغفال الأشعار التي قيلت في الحوادث التي يذكرونها (المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني وأنساب الأشراف لأحمد بن يحيى البَلاذُري)، إذ مثل بمنحاه هذا تطوراً نوعياً في كتابة السيرة إذ اتسم منهجه بالطابع النقلي الخاص بعرض الروايات من دون مناقشة أو تعقيب عليها، فضلاً عن تشتت وبعثرة الروايات التي يذكرها لفقدان طابع السبق الزمني لهذه الحوادث من حيث أسبقية القدم منها في العرض.

     سكن اليمن أكثر من عشرين سنة، ومات وعمره 58 سنة، وقيل أنه مات في رمضان سنة 152 هـ أو 153 هـ، وقال الواقدي وخليفة وأبو عبيد وغيرهم مات سنة 153 هـ، وأجمع كل من علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو نعيم على أنه مات سنة 154 هـ.

 

                                                       

عن المدير