سليمـان بـن طـرخـان التميمـي البصـري

الكتاب الأول: مقدمات في دراسة السيرة النبوية الشريفة
الباب الأول: دراسة السيرة النبوية الشريفة ومزاياها وأهدافها
الفصـل الأول: التـأليـف الإنتقـائـي والعشـوائـي للسيـرة
المبحـث الثـانـي: التـأليـف فـي السيـرة عنـد التـابعيـن وتـابعيهـم
المطلـب الأول: رجـال الطبقـة الثـالثـة مـن كتَّـاب المغـازي والسيـر
الفرع الثاني: سليمـان بـن طـرخـان التميمـي البصـري (ت 143 هـ) :

     و هـو مـن التابعين البارزين و المحـدثين المشهـورين الذيـن
وثقهم كل من ترجـم له ، سمع الحـديث عـن أنس بن مالك و الإمام
الحسـن بـن علي عليه السّلام (الطبقات الكبرى
لمحمد ابن سعد)
، وعـدّ سـزكيـن هـذا الـرجـل مـن المهتمين
بكتابـة السيـرة و المغـازي و ممـن صنف فيهـا
(تأريخ التراث العربي لفؤاد سزكين)
، و كانت لهـذا الرأي
مصاديـق عـدة ، إذ حصـل ابـن خيـر الأشبيلـي (ت 575 هـ) على إجازة
برواية المغازي التي كتبها سليمـان بن طـرخان عن رسـول الله صلى
الله عليه و سلّم و أسماها بكتاب سيـرة النبي لسليمان بن طرخان
(فهرست ما رواه عن شيوخه لابن خير الإشبيلي)
، فضـلاً عـن
ذلك فقد أيـد السخـاوي وجـود هـذا الكتاب بجعل ولـده معتمـر راوية
لها (الإعـلان بالتـوبيخ لمن ذم التـأريخ شمس
الديـن محمد بن عبد الرحمـن السخاوي)
.

     كانت المغـازي التـي كتبهـا سليمـان بن طـرخـان محـل جـدل
بيـن بعض الباحثيـن إذ أغفلها كـل من هوروفتس و الدوري حيـن عرضـا
المدونات الأولـى لسيـرة الرسـول صلـى الله عليـه و سلّـم
(المغازي الأولى و مؤلفوها ليوسف هوروفتس)
، فضـلاً عن ذلك
فقد سـوغ باحث آخـر إغفـال هـذه المغـازي مـن قبل بعض الدراسـات
لأن المصادر القديمة لم تذكر قيامه بتدوينها
(نشـأة التـدويـن التأريخي عند العرب لحسين نصار)
، و يضيف
آخـر أنـه لـم تكـن لـه تلك الإسهامـات الملموسـة و الواضحـة في
كتابة السيرة لكي تجعل من صاحبها عنواناً يستشهد به ضمن الذين
غرزوا نواة التأريخ العربي (التأريخ العربي و
مصادره لأمين المدني)
.

     و استـدرك أحـد الباحثين على هـذه المـواقف و الآراء السابقة
بإزاء ابن طرخـان و كتابته لمغازي الرسول صلى الله عليه و سلّم بأن
أشار إلى أن أحـد المستشـرقين (فون كريمر) قد حصـل على مخطوط
لمغازي الـواقـدي يضم في نهايته أوراقاً من مغازي أبي المعتمر
سليمـان بن طـرخـان اسمـاها ناسخ المخطـوطة بالسيرة الصحيحة
(نشأة التدوين التاريخي عند العرب لحسين نصار)
، و لا يخفي
هـذا الباحث شكـوكـه و استغـرابـه من إغفـال الطبـري لمغـازي
سليمـان بن طـرخـان ، أكان سبب ذلك الإغفـال هو عدم وثاقة الطبري
بمغازي هذا الرجل ؟ أم لأنها لم تصل إليه ؟ أم لم يؤلف سليمان
مغازي الرسول صلى الله عليه و سلّم أصلاً ، و هذه المغازي التي
وصلتنا محمولة عليه ؟

     تبقى مهمة تعـرّف الأسلوب الذي كتب به سليمان المغـازي أسيـرة
الدراسة التي عملها نصار لهذه المغازي ، و ذلك لعـدم توفر النسخة
التي اعتمد عليها الباحث في معـرفة جهـود ابن طـرخـان في كتابة
السيـرة النبوية ، إذ أوضح رأيه فيها بالقول : (إن الذي يتأمـل
هـذه السيرة يجد أنها موجزة و مصغـرة و منسقـة و منتظمـة لا تذكـر
فيها الفواصل و الزوائد كما نرى عند المؤرخين الآخرين ، مع إغفال
الأسانيـد للمرويـات التي يتعـرض لذكرها منفـردة و في موضـوع واحد
من دون تداخل للمـواضيـع الأخـرى . و بعبارة أدق يعتمد سليمـان على
إيراد كل الروايات التي ذكرت عن المـوضـوع الـذي يطـرحـه ، و أن
وصفه يمتاز بالقوة و الحياة ، و يشعر القارئ بأنه مشرف على المعركة
يرى الأبطال و يشاركهم مشاعرهم و أفعالهم كما يشعـر بأن المـؤلف لا
يكتفي بمجـرد ذكـر الأعمال و إنما يدقق فيها و يبسطها بسطاً صادقاً
يجعلنا نستطيع أن نميز ما يدور فـي خلـد المـؤمنين فـي كـل مـوضـع
، و كثيـراً ما تكـون هـذه الإنفعالات في غير صالح المسلميـن ، و
لكنه يأتي بروايات غـريبة عن الغزوات الكبيرة المعروفة تخالف ما
أجمع عليه المؤرخـون الآخـرون و يأتي أيضاً بـروايات مخالفة في
غـزوات النبي صلى الله عليه و سلم ، لنبي قريظة و خيبر و مؤتة و
الحديبية ، و وفاة الرسـول صلى الله عليه و سلم مع عنايته بإيـراد
الآيات القرآنية و شرح مناسباتها التأريخية و اعتنى أيضاً بإيراد
الشعر و لكن بصورة أقل من سابقيه) .

     و يبـدو أن سبب إغفـال المـؤرخيـن لهذه المغـازي هو وجـود
آراء مخالفة و متناقضة أوردها ابن طـرخـان معارضاً فيها الـروايات
التي أتفق عليها جمع كثيـر من المهتميـن بسيـرة الرسـول صلى الله
عليه و سلّـم ، حتى إننـا لـم نجـد أي اقتباس من هذه المدونة في
المصنفات التي عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه و سلّم و أحواله .

 

                                                       

عن المدير