وهـب بـن منبـه

4 – وهـب بـن منبـه (ت 114 هـ) :

     هو يماني المولد، فارسي الأصل. سكن المدينة، وحدث بها، وكان من المقربين لدى الخلفاء الأمويين، وممن أشتهر برواية أخبار الأمم السالفة وأهل الكتاب، وعرف العديد من لغات عصره (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني).

     عدّ هذا الرجل من قبل أحد المتأخرين في عداد من كتب في المغازي (كشف الظنون عن أسامي الفنون لحاجي خليفة)، ومال إلـى هذا الرأي أحد الباحثين إذ علق على ذلك بالقول: (وقول حاجي خليفة صحيح فقد وجد أحد المستشرقين بين مجموعة أوراق بردي في هيدلبرج بالمانيا، مجلداً يحوي قطعة من كتاب المغازي هذا) (المغازي الأولى ومؤلفوها ليوسف هوروفتس)، ووافق باحث آخر على هذا الرأي أيضاً (تأريخ التراث العربي لفؤاد سزكين).

     ولكن نسبة هذه المجلدة في المغازي إلى وهب محل تدبر وتأمل، وذلك بملاحظتنا أن سندها الذي أورده لنا هوروفتس قد حوى في طريق الإسناد إلى وهب سبطه عبد المنعم بن إدريس (ت 228 هـ) (المغازي الأولى ومؤلفوها ليوسف هوروفتس) الذي اتفق جميع العلماء الذين ترجموا له على أنه وضاع ويضع الحديث على جده وهب(الضعفاء والمتروكون لشمس الدين بن عثمان الذهبي).

     تدل الرواية التي أوردها لنا أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) التي ينتهي إسنادها إلى وهب والتي وجد في أحد طرقها سبطه عبد المنعم على مصداقية الكلام آنف الذكر (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني)، إذ أخرج ابن الجوزي هذه الرواية ضمن الموضوعات (الموضوعات من الأحاديث المرفوعات لابن الجوزي عبد الرحمن بن علي)، فضلاً عن تعليق أحد الباحثين على هذه الرواية بالقول: (وهذه الفقرة طويلة مفصلة ولكن قارئها لا يسعه غلاً أن يشك فيها الشك الشديد فأسلوبها مما لا نألفه في أساليب تلك الفترة وعبارتها غريبة عن الرجل الذي يعيش في ذلك العصر وكان للخيال فيها دور كبير، ولذلك إن صحت نسبتها لوهب فأننا لا نستطيع إطلاق صفة مؤرخ بل قصاص) (نشأة التدوين التاريخي عند العرب لحسين نصار).

     إن الذي دفعنا لإثارة هذه الشكوك حول صحة كتابة وهب لمغازي الرسول صلى الله عليه وسلّم هو أننا لم نجد في أثناء تصفحنا للكتب التي تحدثت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم رواية ينتهي سندها إلى وهب أو يكون هو في أحد طرقها هذا من جانب، ومن جانب آخر كانت معظم الروايات التي وصلت إلينا عن وهب تتضمن عرضاً لأخبار الأنبياء والرسل و الأمم والأقوام السالفة (تأريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري)، مع ذكر ابن النديم (ت 381 هـ) أن له كتاباً في هذه المحاور من التأريخ (الفهرست لمحمد ابن النديم)، وهذا ما دفع بهوروفتس إلى عدّ اسهامات وهب في هذه الجوانب من التأريخ مدخلاً متمماً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلّم، لارتباط الرسالات التي استعرضها وهب بالرسالة التي أتى بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم (المغازي الأولى ومؤلفوها ليوسف هوروفتس)، فضلاً عن ذلك فقد عدّ أحد الباحثين تدوين وهب لأخبار الرسل والأمم السالفة حافزاً للمؤرخين الذين أتوا بعده على جعلهم وهباً من أوائل من قدم نموذجاً للتأريخ العالمي متمثلاً في تأريخ الرسالات؛ حتى كان لذلك صدى قوي في عقل محمد بن إسحاق حين بدأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم بأخبار الأمم والأقوام والأنبياء السالفة التي أسماها بأخبار المبتدأ (التأريخ العربي ومصادره لأمين المدني).

 

                                                       

عن المدير