إن الحمـد لله رب العالمين، نحمـده حمداً طيباً مباركاً يليق بجلال قدره و عظيم منّه و فضله، ونشكره على نعمه العديدة التي لا تعد ولا تحصى، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على معلم البشرية الحبيب الهادي وسيد المرسلين سيدنا محمد الذي أضاء بنور حبه قلوب العارفين… وفتح بفيض حبه قلوب العاصين … صلاة تامة مباركة إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين، من يهده اللّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلـه إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أمـا بـعـد: فـإن أصـدق الحـديـث كتـاب اللّه، وأحـسـن الهـدي هـدي سـيـدنـا محمد صلـى الله عليـه وسلـم. وشـر الأمـور محـدثـاتهـا، وكـل محـدثـة بـدعـة، وكـل بـدعـة ضـلالـة وكـل ضـلالـة فـي النـار.
جاءت كلمة العلم في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم مطلقة، ودونما تقييد أو تحديد؛ فهي تشمل كل علمٍ نافعٍ يهدف إلى خير الدنيا وعمارة الأرض، وكل علمٍ يهدف إلى صلاح الناس، والقيام السليم بواجبات الخلافة البشرية على هذا الكوكب.
والعلوم الشرعية فهي العلوم التي يُعرَف بها الله تعالى، ويُعرَف بها كيف تكون العبادة الصحيحة، ويشمل ذلك كل العلوم المتعلقة بدراسة الدين وفقه الشريعة، مثل علوم القرآن، وعلوم السنة والحديث الشريف، وعلوم العقيدة، وعلوم الفقه وأصوله، وعلوم الأخلاق، وغير ذلك مما يتعلق بالشريعة والدين. ويرتبط بهذا القسم بعض العلوم الأخرى التي يُحتاج إليها في فقه تلك العلوم الشرعية، مثل علوم اللغة والأدب والتاريخ، ونحو ذلك.
وقد لقيت العلوم الشرعية من الحفاوة والاهتمام، والبحث والتنقيب، والتقييد والتفريع، والتعليم والتعلم، والكتابة والحفظ، ما لم تلقه العلوم الكونية أو الطبيعية الأخرى، وذلك لشدة حرص الأمة الإسلامية على دينها، واعتبارها أن العلوم الشرعية علوم ملحقة بالرسالة، ومهمة لشرح القرآن الكريم، وضرورية لضبط السنة الشريفة، ومبينة لمراد الله من خلقه، وحافظة للدين إلى يوم الدين، ويكفي أن نعلم أن كل تكريم وتشريف ورفع لمقام أهل العلم وتنويه بفضلهم، مما ورد في القرآن الكريم أو السنة النبوية يتناول أول ما يتناول أهل العلم الشرعي على وجه الخصوص، قبل أن يتناول بكل تأكيد أهل سائر العلوم على وجه العموم وهذا ما لا جدل فيه. وقد جعل الله عز وجل العلم قيمة مرجحة بين العباد، قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (سورة الزمر، الآية 9) وجعل منحة العلم أعظم النعم، فقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (سورة النساء، الآية 113)
وفي الآونة الأخيرة ظهر عددٌ من المواقع الإسلامية المتميزة التي يقوم عليها متخصصون في مجالات مختلفة تدعمهم هيئاتٌ وشركات ومنظمات ووزارات إسلامية في بلدان مختلفة من العالم الإسلامي، وهذه المواقع تتميز بحسن التخطيط لها بحيث خرجت في تصميمات جيدة ومادة أفضل مما سبق، وإن كان يشوبها بعضُ القصور الذي يجب تلافيه، ولا تزال الساحةُ بحاجة إلى المزيد من المواقع الإسلامية التي تستفيد من هذه التجارِب لتقدم الجديدَ دائمًا، خاصة مع وجود هذا الإقبال الإسلامي المتزايد على الإنترنت، فالملاحظ أن الكثير من المواقع الإسلامية على الشبكة ما زالت محدودةَ التأثير، وتحتوى على معلومات سطحية، والكثيرُ منها غير صحيح.
وإيماناً منا بأهمية معرفة العلوم الشرعية في بناء جيل يحمل على عاتقه هموم وأعباء المراحل القادمة، جيل قادر على تحمل المسئولية ومستعد للدفاع عن عقيدته، وإيماناً منا بدور الأنترنيت في هذا الجانب، وفي محاولة لغسل بعض غبار يحجب صورة الحضارة الإسلامية الحقيقية، وقشع الغيوم عن وهج ضوئها، ولإظهار ملامحها الأصلية والحقيقية دون ترصيع أو تزييف، دون تبجيل أو تسخيف، دون تفضيل أو تضليل، ولإظهار هذا الناصع من وجهها، ولإبراز ملامحها كما هي ودون ظلال. لأجل كل ما ذكر، جئنا بهذا الموقع عله ينجح في تحقيق ما نصبو إليه من تقدم، ونرنو أن يكون هذا الموقع عاملاً في تسويق صورة جميلة للإسلام وجذب الفخر بالانتساب إليه، ونسعى بواسطة هذا الموقع التعليمي إلى تعميق المعرفة الدينية لدى شباب الأمة الإسلامية. حيث تنوعت موضوعاته بين العقائد، والعبادات، والمعاملات، ومكارم الأخلاق، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وفيه أيضاً موضوعات أصولية، وتاريخية، وموضوعات أدبية، وقضايا معاصرة. وإنه لشرف عظيم، ومغنم كبير، ومطمح بعيد يناله عبدٌ مفتقر، لفضل اللّه حين يأذن اللّه له في الدعوة إليه، ثم يوفقه فيها، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (سورة فصلت، الآية 33). فالـرســول عـلـيـه الـسـلام يـقـول: (إذا مـات ابـن آدم انـقـطـع عـمـلـه إلا مـن ثـلاث: عـلـم يـنـتـفـع بـه، وصـدقـة جـاريـة، وولـد صـالـح يـدعـو لـه) (صحيح مسلم – كتاب الوصيـة)، فـمـا أروع أن نكتسب أجـراً مـن أبنـاء حـرصـنا عـلـى تـربيتهـم، وطـلاب علمنـاهـم فـأحسنـا تعليمهـم، وصـدقـة جـاريـة نجنـي ثـوابهـا مـن هنـا وهناك …
وبما أن الكمال لله وحده، وبما أن كلّ إنسان، يؤخذ منه ويرد عليه، إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإني أنتظر من الإخوة القراء تنفيذاً لوصية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال: “أحب الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي”، أن يتفضلوا بإبداء ملحوظاتهم حول مضامين الموقع وأدلتها، ونصوصه واستنباطاتها، وقصصه التاريخية ودلالاتها، وموضوعاته العلمية وارتباطاتها؛ لآخذ بها إن شاء الله تعالى. فالموقع لا يزيد عن نفحات، فإن أصبت فمن توفيق الله وفضله، وإن لم أصب فمن تقصيري وضعف حيلتي.
ولا يسعني إلا أن أدعو فأقول: “جزى الله عنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ما هو أهله، وجزى عنا أصحابه الكرام ما هم أهله، وجزى عنا والدينا، وأساتذتنا، ومشايخنا، ومن علمنا، ومن له حق علينا ما هم أهله. وأعوذ بك يا رب … أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك، ألتمس به أحداً سواك، وأعوذ بك من فتنة القول، كما أعوذ بك من فتنة العمل، وأعوذ بك أن أتكلف ما لا أحسن، كما أعوذ بك من العجب فيما أحسن”. وفـي الـخـتـام أسـأل الله تـعـالـى أن يـجـعـل عـمـلـنـا مـقـبـولاً خـالـصـاً لـوجـه الله … {وَقُـلِ اعْمَلُـواْ فَسَيَـرَى اللَّهُ عَمَلَكُـمْ وَرَسُـولُـهُ وَالْمُـؤْمِـنُـونَ وَسَـتُـرَدُّونَ إِلَـى عَـالِـمِ الْـغَـيْـبِ وَالـشَّـهَـادَةِ فَيُنَبِّئُكُـم بِمَـا كُنتُـمْ تَعْمَلُـونَ} (سورة التوبة، الآيـة: 103)
صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.